إن النشوئيين قد تساءلوا عن هذا الفاصل منذ قرروا آراءهم عن التطور على قواعد العلوم التجريبية، وأجابوا عنه إجاباتهم على حسب عقائدهم مرة، وعلى حسب أمزجتهم مرة أخرى.
فالعالم الفرنسي بوفون يقرر أن تقسيم الأنواع يتناول الإنسان من جانبه الحيواني، ولا يعرض لجوانبه المميزة له في عقائد المؤمنين، ودارون يقول: إنه يتكلم عن الأطوار التي تؤثر في جسد الإنسان، ولا شأن له بما عدا ذلك من الملكات الروحية التي يقررها له الدين.
وهذه الأجوبة من النشوئيين ليست بالأجوبة الحديثة في بابها على ذلك السؤال القديم، فإن ابن سينا مثلا كان يقرر مذهب الطب في الأمراض التي تنسب إلى فعل الجان والأرواح الخبيثة أو الطيبة فيقول: إنه لا ينفي هذا الفعل، ولكنه ينظر إلى آثاره الجسدية فيرى أنها تحدث الأعراض التي يعالجها بعلاجها الطبي الموصوف لها عند الأطباء.
وليس النشوئيون جميعا على منهج بوفون ودارون، أو منهج ابن سينا وأصحابه من علماء الزمن القديم، فإن بعض علماء النشوء المحدثين - وعلى رأسهم أرنست هكل - ينكرون كل نسبة للإنسان غير نسبته إلى أنواع الحيوان، ويجعلون لهذه النسبة شجرة تجمع بينه وبين القردة العليا، وتنزل في جذورها إلى القردة المذنبة التي تعيش في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية
Marnasets ، وقلما تحتمل الجو في الأقاليم الشمالية، ومن دونها الليمور
Lemur
قرد مدغشقر، وهو موضوع في شجرة النسب دون قردة «المرموز» الأمريكية.
ويرتب النشوئيون القردة العليا - صعدا - من الجيبون إلى الأورانج إلى الشمبانزي إلى الغوريلا، وقد يفرقون بينها في درجات الرقي بحسب اعتمادها على تسلق الأشجار، أو المشي على أديم الأرض والقدرة على الوقوف واعتدال القامة عند السير على قدمين؛ فأدناها ما كان اعتماده كله على التسلق ، ومعيشته كلها فوق الأشجار، وأعلاها ما استغنى عن تسلق الأشجار واحتاج إلى استخدام يديه وهو ماش على قدميه؛ فإن نمو الدماغ مرتبط بدرجة العمود الفقري وعظام العنق، ودرجة التصرف باليدين عن قصد وإرادة لتحقيق عمل من الأعمال.
ويزعم هؤلاء النشوئيون أن «التطور» الإنساني له علامات تبدأ من قردة الليمور وقردة المرموز المذنبة، وتتدرج صعدا إلى الإنسان حيث يزول الذنب، وينمو الدماغ، وتتحول اليد إلى أداة صالحة للتناول غير مقصورة على المشي أو التعلق بفروع الأشجار. ومجمل تلك العلامات أنها بوادر الجلوس والوقوف واختفاء الذنب ومخالب القدمين واليدين.
ويذهب أحد النشوئيين المحدثين إلى القول بأن نوع الإنسان سابق لأنواع القردة بمئات الألوف من السنين، وأن القردة العليا أناسي ممسوخة فقدت أوائل الصفات البشرية، وانحدرت في الصفات العقلية والجسدية إلى ما دون تلك المرتبة بكثير أو قليل.
نامعلوم صفحہ