وجملة ما قيل في معنى «النفوس زوجت» أنها تقرن بمقوماتها وأعمالها، أو تضم إلى أشباهها وقرنائها.
فحساب النفس من حساب الإنسان، ولكن الذات الإنسانية أعم من النفس ومن العقل ومن الروح حين تذكر كل منها على حدة، فإن الإنسان يحاسب نفسه لينهاها عن هواها، ولكن الروح من أمر الخالق الذي لا يعلم الإنسان منه إلا ما علمه الله، ويتوسط العقل بين القوتين، فهو وازع الغريزة، ومستلهم لهداية الروح.
ولعلنا نفقه من هدي القرآن ترتيب هذه القوى في الذات الإنسانية، وعمل كل منها في القيام بالتكليف وتمييز الإنسان بمنزلة الكائن المسئول.
فالإنسان يعلو على نفسه بعقله، ويعلو على عقله بروحه، فيتصل من جانب النفس بقوى الغرائز الحيوانية ودوافع الحياة الجسدية، ويتصل من جانب الروح بعالم البقاء وسر الوجود الدائم، وعلمه عند الله، وحق العقل أن يدرك ما وسعه من جانبها المحدود، ولكنه لا يدرك الحقيقة كلها من جانبها المطلق إلا بإيمان وإلهام.
الأمانة
وردت كلمة الأمانة والأمانات في خمسة مواضع من القرآن الكريم، وكلها بالمعنى الذي يفيد التبعة والعهد والمسئولية، وخصصت هذا المعنى في آية من «سورة البقرة» بوديعة المال وما إليه؛ إذ قال تعالى في سياق وثائق الديون:
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله
إلى قوله تعالى:
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه (البقرة: 282-283).
ففي هذه الآية خصصت الأمانة بما يؤتمن عليه المرء من الودائع والديون، ولكننا لا نخرج من الآية بغير التذكير المؤكد بمعنى الأمانة العامة، وهي الحق والفريضة، ومنها حق العلم وفريضته، فلا يجوز لمن علم علما أن ينسى حقه:
نامعلوم صفحہ