وقد سئل هذا العالم الكبير أن يلقي محاضرات ريث
Reith
عن (سنة 1959) فقال: إنه لم يكن ليبلغ به الادعاء أن يلقي هذه المحاضرات بعنوان مستقبل الإنسان، لولا أنه عنوان مقترح عليه، ولكنه على هذا لم ينفرد بالرأي في مسألة من مسائل البحث المقترح، ولم يعلن رأيا واحدا قبل أن يراجع في موضوعه زملاءه الثقات في مسائل ذلك الموضوع على التخصيص، وقد ذكرهم بأسمائهم في تمهيده للمحاضرات. وبعد أن ذكر فكرة «البيولوجيين» الذين يحسبون أن تعدد النماذج الفردية قد يحول دون التوليد لإخراج النسل على نمط مقدور، مضى يقول: «إن الأمر يدعو إلى التساؤل: هل يتأتى لإنسان أن يمضي متطورا غدا كما تطور بالأمس، أو أن هناك أسبابا تدعو إلى الظن بأن هذا التطور قد بلغ أقصى مداه؟»
وطفق الأستاذ يقلب وجوه النظر ويعادل بينها حتى بلغ نهاية محاضراته وهو لم يجزم قط بمصير محدود، سوى أنه رجح بعض الفروض، ولم ينس أن يذكر أنها فروض تحيط بها الشكوك والاحتمالات.
قال مثلا: إن الإحصائيات في بريطانيا العظمى دلت على تكاثر نسبة المواليد الذكور بعد الحروب، وإن بعضهم فسر ذلك بأن الطبيعة تعمل لتعويض النقص على عادتها في كثير من المشاهدات، فهو تفسير ليس بالغريب، ولكنه قد يبطل اليقين به أن هذه الزيادة أيضا قد شوهدت في أمم لم تفقد أبناءها في الحرب، ولم تكن من الأمم المقاتلة.
وقابل الأستاذ بين طرائق الإحصاء، ومنها طريقة المقارنة بين سنة وسنة، وهي غير وافية بالمقارنة الدقيقة، وبين طريقة اختيار طائفة من الرجال والنساء وتسجيل ما يحدث لهم على مدى الفترات الطوال، كل عشرين أو ثلاثين سنة، وقال: إنها طريقة لم تكن ميسرة الوسائل قبل السنين الأخيرة، ولكنها تيسرت الآن لانتظام الإحصاء في شتى مظاهر الحياة، ومنها تسجيل نسبة الجنسين، وتسجيل معدل العقود الزوجية، وسن الذكر وسن الأنثى عند الزواج، وتسجيل هذه السن عند ولادة كل مولود أو مولودة. وهذه الطريقة تفيد ما لا تفيده الطريقة الأولى عند تعليل تعويض المواليد للوفيات؛ لأنها تبين الوقت الذي تحدث فيه أوائل المواليد، وتبين للقائمين بالإحصاء هل يزيد العدد لزيادة الخصوبة العائلية، أو لزيادة الوقت المحدود للإحصاء.
ولم يتقبل العالم البيولوجي بالارتياح عبارة المتشائمين الذين يفهمون من كلمة الانحدار أو هبوط الاستعداد الحيوي أن النوع الإنساني سينحدر حتى ينقرض، وقال: إن العبارة «متحف من النقائض»؛ فإننا إذا استطعنا بالعناية أن نحتفظ إلى اليوم بأناس كانوا - لولا ذلك - قد أصبحوا أمواتا قبل عشر سنوات، فنحن كيفما كانت الحال نعيش اليوم ولا نعيش قبل عشر سنوات، كذلك يمكن أن تعصف نازلة من النوازل بالعقاقير التي تداوي بعض الأمراض، فلا يكون مآل ذلك إلا أن الذين سيموتون غدا قد يموتون اليوم بدلا من ذلك.
ومن دواعي تصعيب النبوءة عن المستقبل أن التغييرات المحتملة بين أفراد البشر أكثر جدا من التغيرات التي تقع فعلا، وأن اختلاف اثنين من البشر في الواقع قد يعني قبل ذلك افتراض عشرات من الأفراد مختلفين كذلك الاختلاف، أو أبعد وأخفى. ومن أقدم الأسباب المعلومة عند الجينيين
Geneticists
لاحتمالات التغيرات المتعددة ما يسمى بقابلية المقايضة بين الصبغيات، وهي عملية يمكن أن تتم إذا كانت كلتا الصبغتين مماثلة للأخرى تماثلا يميل بها إلى الامتزاج، ثم إعادة الامتزاج على أشكال طارئة مبتدعة.
نامعلوم صفحہ