الأول: ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله خلق كل صنعة وصانعها وصنعة الصانع إنما هي بحركاته وأفعاله، سواء كان في صنعة مباحة وطاعة، ككتابة القرآن، والحديث، والفقه. أو محظورة؛ من تصوير صور الحيوان، أو عمل السلاح ليقتل به المسلمين. فصح بهذا الخبر أن الله جل وعلا خالق للفاعل منا ولفعله.
الخبر الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: فرغ ربك من أربع: من الخلق، والخلق، والرزق، والأجل فلو جهد الخلق على أن يؤتوك ما لم يقدره الله لم يقدروا على ذلك وروى: لو جهد الخلق على أن ينفعوك أو يضروك لم يقدروا على ذلك والمخلوقات منها الضار والنافع، في العاجل والآجل، وقد جعل صلى الله عليه وسلم كل ذلك إلى تقدير الله تعالى وخلقه له، ولم يجعل إلى العباد شيئا من ذلك. فاعلمه وتحققه.
### || ### || فصل
ويدل على صحة ما قلناه: إجماع المسلمين، وأنهم يقولون: لا خالق إلا الله، كما يقولون: لا رازق، ولا محيي، ولا مميت إلا الله تعالى. فنقول لا يكون الخلق من غيره، وأثبتوه خالقا.
فصل
ويدل على صحة ما قلناه من جهة العقل. وأنه لا خالق إلا الله تعالى، وهو كثير جدا، لكن نختصر على قدر فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك: أن نقول لهم: إن قلتم إن الواحد منا يخلق أفعاله، من طاعة، أو معصية، أو إيمان، أو كفر فقد شركتم بيننا وبين الله تعالى في الخلق، وأنه لا يتم خلقه إلا بخلقنا. وذلك أن الجسم لا يخلو من حركة، أو سكون، أو كفر، أو إيمان، أو طاعة، أو معصية، فصح أن جميع الذوات مشتركة الخلق بين العبد وبين الرب، وأنه لا يتم خلق أحدهما إلا بمخلوق الآخر، وهذا شرك ظاهر، نعوذ بالله منه.
دليل آخر من جهة العقل: وأنه لا خالق إلا الله، لأن الخالق الصانع أقل ما يوصف به علمه بخلقه، كما قال: " ألا يعلم من خلق " ونحن نجد الواحد منا يفعل ما لا يعلم فعله فيه، ولا يحصره ولا يعده بقدرة، حتى إن الواحد منا يريد أن يتكلم صوابا فيرمي خطأ، إلى غير ذلك، فيفعل ما لا يعلمه ولا يريده، وأيضا الواحد منا إذا خرج إلى المسجد حتى وصل إليه، فعند المخالف أن كل خطوة خطاها خلقها وأنشأها، ولو سئل عن عدد كل خطوة خطاها لم يدر ما يقول ولا يعلمه ولا يعرفه؛ فلم يبق إلا أن الخالق لأفعالنا وأكسابنا هو الله تعالى الذي يعلمها، كما قال: " ألا يعلم من خلق " دليل آخر من جهة العقل: وهو: من شرط الخالق للشيء أن يكون قادرا على خلق الشيء وضده، فإن من يقدر على خلق الحياة يقدر على خلق ضدها، وهو الموت، وكذلك من يقدر على خلق التفريق في الجسم يقدر على خلق الاجتماع له، حتى يعود كما كن جسما مؤلفا، ولما وجدنا أحدنا لا يقدر على ذلك صح أنه غير خالق، ولما وجدنا الخالق تعالى يقدر على خلق الشيء وضده دل على أنه هو الخالق لا خالق سواه، وقد قيل عن الشيخ الإمام أبي بكر بن فورك رضي الله عنه أنه كان مع إسماعيل المعروف بالصاحب في بستان، وكان يعتقد شيئا من ذلك، فأخذ سفرجلة وقطعها من الشجرة، وقال له: ألست أنا قطعت هذه السفرجلة ؟ فقال له رضي الله عنه مجيبا: إن كنت تزعم أنك خلقت هذه التفرقة فيها فاخلق وصلها بالشجرة حتى تعود كما كانت. فبهت وتحير ولم يقدر على جواب.
وبلغني أيضا أن بعض القدرية وقف على إحدى رجليه وشال الأخرى، وقال: ألست أنا رفعت هذه وحططت هذه ؟ فقاله له بعض أهل السنة: إن كنت تزعم أنك خلقت الشيل في هذه المشتالة فاخلق الشيل في الأخرى حتى تصير مشتالة معها، فبان له الحق ورجع عن قوله الباطل.
دليل آخر من جهة العقل: وهو أنك تقول: حقيقة الخلق والإحداث هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، وإذا كان الواحد منا على زعمكم يقدر أن يخلق حركة معدومة حتى يخرجها من العدم إلى الوجود، وأن يخلق شيئا زائدا فيخرجه من العدم إلى الوجود، وأن يخلق له لونا غير لونه فيخرجه من العدم إلى الوجود، وفي هذا القول الخبيث التسوية بين قدرة الله تعالى وقدرة العباد، وأنهم يقدرون على ما يقدر عليه. تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا.
صفحہ 57