والدليل على أن الإيمان هو الإقرار بالقلب والتصديق؛ قوله عز وجل: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " يريد بمصدق لنا. ومنه قوله عز وجل: " ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم، وإن يشرك به تؤمنوا " أي تصدقوا. ويقال فلان يؤمن بالله وبالبعث؛ أي يصدق بذلك. وكذلك قولهم: فلان يؤمن بالشفاعة والقدر، وفلان لا يؤمن بذلك، يعني به التصديق، وبنفي الإيمان به التكذيب. وقد اتفق أهل اللغة قبل نزول القرآن وبعث الرسول عليه السلام على أن الإيمان في اللغة هو التصديق دون سائر أفعال الجوارح والقلوب.
والإيمان بالله تعالى يتضمن التوحيد له سبحانه، والوصف له بصفاته، ونفي النقائض عنه الدالة على حدوث من جازت عليه.
والتوحيد له هو: الإقرار بأنه ثابت موجود، وإله واحد فرد معبود، ليس كمثله شيء؛ على ما قرر به قوله تعالى: " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " وقوله: " ليس كمثله وهو السميع البصير " .
وأنه الأول قبل جميع المحدثات. الباقي بعد المخلوقات، على ما أخبر به تعالى من قوله : " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " والعالم الذي لا يخفى عليه شيء والقادر على اختراع كل مصنوع، وإبداع كل جنس مفعول، على ما أخبر به في قوله تعالى: " خالق كل شيء " " وهو على كل شيء قدير " .
وأنه الحي الذي لا يموت، والدائم الذي لا يزول، وأنه إله كل مخلوق، ومبدعه ومنشئه، ومخترعه، وأنه لم يزل مسميا لنفسه بأسمائه، وواصفا لها بصفاته، قبل إيجاد خلقه، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته، التي منها: الحياة التي بها بان من الموت والأموات، والقدرة التي أبدع بها الأجناس والذوات، والعلم الذي أحكم به جميع المصنوعات، وأحاط بجميع المعلومات، والإرادة التي صرف بها أصناف المخلوقات. والسمع والبصر اللذان أدرك بهما جميع المسموعات والمبصرات، والكلام الذي به فارق الخرس والسكوت وذوي الآفات، والبقاء الذي به سبق المكونات، ويبقى به بعد جميع الفانيات، كما أخبر سبحانه في قوله: " ولله الأسماء ا لحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه " وقوله تعالى: " أنزله بعلمه " " وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه " وقوله: " أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " وقوله " ذو القوة المتين " فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل " كل شيء هالك إلا وجهه " وقال: " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: " بل يداه مبسوطتان " وقوله. " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: " ولتصنع على عيني " و" تجري بأعيننا " وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس، وأنه سبحانه لم يزل مريدا وشائيا، ومحبا، ومبغضا، وراضيا، وساخطا، ومواليا، ومعاديا، ورحيما، ورحمانا. ولأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته، لا إلى غضب يغيره. ورضى يسكنه طبعا له، وحنق وغيظ يلحقه، وحقد يجده ، إذ كان سبحانه متعاليا عن الميل والنفور.
وأنه سبحانه راض في أزلة عمن علم أنه بالإيمان يختم عمله ويوافي به، وغضبان على من علم أنه بالكفر بختم عمله ويكون عاقبة أمره، وقد قال تعالى " فعال لما يريد " و" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقال: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون. وقال: " رضى الله عنهم ورضوا عنه " " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " في أمثال هذه الآيات الدالة على أنه شاء، مريد، وأن الله جل ثناؤه مستو عن العرش، ومستول على جميع خلقه كما قال تعالى: " الرحمن على العرش استوى " . بغير مماسة وكيفية، ولا مجاورة، وأنه في السماء إله في الأرض إله كما أخبر بذلك.
صفحہ 5