بسم الله الرحمن الرحيم قال محمود رحمه الله تعالى (الباء في البسملة تتعلق بمحذوف تقديره: بسم الله أقرأ أو أتلو) قال أحمد رحمه الله تعالى: الذي يقدره النحاة أبتدئ وهو المختار لوجوه: الأول أن فعل الابتداء يصح تقديره في كل بسملة ابتدئ بها فعل ما من الأفعال خلاف فعل القراءة، والعام لعموم صحة تقديره أولى أن يقدر، ألا تراهم يقدرون متعلق الجار الواقع خبرا أو صفة أو صلة أو حالا بالكون والاستقرار حيثما وقع، ويؤثرونه لعموم صحة تقديره. والثاني أن
صفحہ 26
تقدير فعل الابتداء مستقل بالغرض من البسملة، إذ الغرض منها أن تقع مبدأ، فتقدير فعل الابتداء أوقع بالمحل، وأنت إذا قدرت أقرأ فإنما تعنى أبتدئ القراءة، والواقع في أثناء التلاوة قراءة أيضا، لكن البسملة غير مشروعة في غير الابتداء، ومنها ظهور فعل الابتداء في قوله تعالى - اقرأ بسم ربك - وقوله عليه السلام والسلام " كل أمر خطير ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " ولا يعارض هذا ما ذكر من ظهور فعل القراءة في قوله تعالى - اقرأ بسم ربك - فإن فعل القراءة إنما ظهر ثم لأن الأهم هو القراءة غير منظور إلى الابتداء بها، ألا ترى إلى تقدم الفعل فيها على متعلقه لأنه الأهم، ولا كذلك في البسملة فإن الفعل المقدر كائنا ما كان إنما يقدر بعدها، ولو قدر قبل الاسم لفات الغرض
صفحہ 27
من قصد الابتداء إذا على أنه الأهم في البسملة فوجب تقديره وسيأتي الكلام على هذا النكتة.
صفحہ 28
قال محمود (لم قدرت المحذوف متأخرا الخ) قال أحمد: لأنك لو ابتدأت بالفعل في التقدير لما كان الاسم مبتدأ به، فيفوت الغرض من التبرك باسم الله تعالى أول نطقك، وأما إفادة التقديم الاختصاص ففيه نظر سيأتي إن شاء الله تعالى.
صفحہ 29
قال محمود (فإن قلت: ما معنى تعلق اسم الله تعالى بالقراءة الخ) قال أحمد: وفى قوله إن اسم الله هو الذي صير فعله معتبر شرعا حيد عن الحق المعتقد لأهل السنة في قاعدتين: إحداهما أن الاسم هو المسمى، والأخرى أن فعل العبد موجود بقدرة الله تعالى لاغير. فعلى هذا تكون الاستعانة باسم الله معناها اعتراف العبد في أول فعله بإنه جار على يديه وهو محل له لاغير، وأما وجود الفعل فيه فبالله تعالى أي بقدرته تسليما لله في أول كل فعل والزمخشري رحمه الله لا يستطيع هذا التحقيق لاتباعه الهوى في مخالفة القاعدتين المذكورتين فيعتقد أن اسم الله تعالى الذي هو التسمية معتبر في شرعية الفعل لا في وجوده، إذ وجوده على زعمه بقدرة العبد فعلى ذلك بنى كلامه. أقول: دعواه أن عند أهل السنة الاسم غير المسمى ممنوعة، وتحقيقه قد ذكر في غير هذا الكتاب.
صفحہ 31
قال محمود (وفى الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم الخ) قال أحمد: لا يتم الاستدلال بقصر البناء وطوله على نقصان المبالغة وتمامها، ألا ترى بعض صيغ المبالغة كفعل أحد الأمثلة أقصر من فاعل الذي لا مبالغة فيه البتة، وأما قولهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا فلا دلالة فيه أيضا على مبالغة رحمن بالنسبة إلى رحيم، فإن حاصله أن الرحمة منه بالدلالة على إتمامها، ألا ترى أن ضارب لما كان أعم من ضراب كان ضراب أبلغ منه لخصوصه، فلا يلزم إذا من خصوص رحيم أن يكون أقصر مبالغة من رحمن لعمومه.
صفحہ 41
قال محمود رحمه الله تعالى (فإن قلت: كيف تقول الله رحمن أتصرفه أم لا الخ) قال أحمد: ليت شعري بعد امتناع فعلانة وفعلى ما الذي عين قياسه على عطشان دون ندمان، مع أن قياسه على ندمان معتضد بالأصل في الأسماء وهو الصرف. أقول: الذي عينه هو أن باب سكران وعطشان أكثر من باب ندمان، وإذا احتمل أن يكون من كل واحد منهما فحمله على ما هو الأكثر أولى، ولأن رحمن وعطشان مشتركان في عدم وجود فعلانة بخلاف ندمان، فلهذا كان حمله على عطشان أولى، ثم قال: وقد نقل غيره خلافا في صرف رحمن مجردا من
صفحہ 42
التعريف، وبناه على تعيين العلة في منع صرف عطشان، هل هي وجود فعلى فيصرف رحمن، أو امتناع فعلانة فيمتنع الصرف وهو أيضا نظر قاصر، وأتم منهما أن يقال امتنع صرف عطشان وفقا، وامتناع صرفه معلل بشبه زيادتيه بألفي التأنيث، والشبه دائر على وجود فعلى وامتناع فعلانة، فإما أن يجعل الأمر آن وصفى شبه بهما مجموعهما مستقل، أو كل واحد منهما مستقلا ببيان الشبه، أو أحدهما دون الآخر على البدل، فهذه أربع احتمالات. فإن كان مقتضى الشبه المجموع أو وجود فعلى خاصة انصرف رحمن، وإن كان كل واحد من الأمرين مستقلا أو الشبه بامتناع فعلانة خاصة منع رحمن من الصرف، فلم يبق إلا تعيين ما به حصل الشبه في عطشان بين زيادتيه وبين ألفى التأنيث من الاحتمالات الأربعة، وعليه يبتنى الصرف وعدمه. والتحقيق أن كل واحد من الأمرين المذكورين مستقل باقتضاء الشبه، فيمتنع صرف رحمن لوجود إحدى العلتين المتعلقتين في الشبه، وهى امتناع فعلانة على هذا التقدير. وإنما قلنا ذلك لأن امتناع فعلانة فيه حاصله امتناع دخول تاء التأنيث على زيادتيه كامتناع دخولها على ألفى التأنيث، فحصل الشبه بهذا الوجه. ووجود فعلى يحقق أن مذكره مختص ببناء ومؤنثه مختص ببناء آخر، فيشبه أفعل وفعلى في اختصاص كل واحد منهما ببناء غير الآخر، فهذا وجه آخر من الشبه، ومن تأمل كلام سيبويه فهم منه ما قررته، فإن قيل: حاصل ذلك ناسبة كل واحد من الأمرين المذكورين لاقتضاء الشبه، فما الذي دل على استقلال كل واحد منهما علة في الشبه وهلا كان المجموع علة وحينئذ ينصرف رحمن وهو أحد الاحتمالات الأربعة المتقدمة؟ قلت: امتناع صرف عمران العلم يدل على استقلال كل واحد من الأمرين بالشبه المانع من الصرف، إذ عمران علما لا فعلى له، وهو غير منصرف وفاقا. أقول: قد عثر ههنا رحمه الله، وإن الجواد قد يعثر لأن اعتبار وجود فعلى أو انتفاء فعلانة إنما كان في الصفة، أما في الاسم فشرطه العلمية لا وجود فعلى ولا انتفاء فعلانة.
صفحہ 43
قال محمود رحمه الله (فإن قلت: ما معنى وصف الله بالرحمة الخ) قال أحمد رحمه الله: فالرحمة على هذا من صفات الأفعال، ولك أن تفسرها بإرادة الخير فيرجع إلى صفات الذات، وكلا الأمرين قال به الأشعرية في الرحمة وأمثالها مما لا يصح إطلاقه باعتبار حقيقته اللغوية على الله تعالى، فمنهم من صرفه إل صفة الذات، ومنهم من صرفه إلى الفعل.
صفحہ 44
قال محمود رحمه الله (فإن قلت: فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه الخ) قال أحمد رحمه الله:
إنما كان القياس تقديم أدنى الوصفين، لأن في تقديم أعلاهما ثم الإرداف بأدناهما نوعا من التكرار، إذ يلزم من حصول الأبلغ حصول الأدنى، فذكره بعده غير مفيد، ولا كذلك العكس فإنه ترق من الأدنى إلى مزيد بمزية الأعلى لم يتقدم ما يستلزمه، ولذلك كان هذا الترتيب خاصا بالإثبات. وأما النفي فعلى عكسه تقدم فيه الأعلى، تقول:
ما فلان نحريرا ولا عالما، ولو عكست لوقعت في التكرار، إذ يلزم من نفى الأدنى عنه نفس الأعلى، وكل ذلك مستمدة في عموم الأدنى وخصوص الأبلغ، وإثبات الأخص يستلزم ثبوت الأعم، ونفى الأعم يستلزم نفى الأخص.
صفحہ 45
القول في سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم قال محمود رحمه الله (الأصل في الحمد النصب الخ) قال أحمد رحمه الله: ولأن الرفع أثبت اختار سيبويه في قول القائل: رأيت زيدا فإذا له علم علم الفقهاء الرفع، وفى مثل: رأيت زيدا فإذا له صوت صوت حمار النصب. والسر في الفرق بين الرفع والنصب أن في النصب إشعارا بالفعل، وفى صيغة الفعل
صفحہ 46
إشعار بالتجدد والطرو ولا كذلك الرفع فإنه إنما يستدعى اسما ذلك الاسم صفة ثابتة، ألا ترى أن المقدر مع النصب نحمد الله الحمد، ومع الرفع الحمد ثابت لله أو مستقر.
صفحہ 47
قال محمود رحمه الله (وتعريف الحمد هو نحو التعريف في أرسلها العراك وهو تعرف الجنس ومعناه الخ) قال أحمد رحمه الله: تعريف التكرار باللام إما عهدي وإما جنسي. والعهدي إما أن ينصرف العهد فيه إلى فرد معين من
صفحہ 49
أفراد الجنس باعتبار يميزه عن غيره من الأفراد كالتعريف في نحو - فعصى فرعون الرسول - وإما أن ينصرف العهد فيه إلى الماهية باعتبار يميزها عن غيرها من الماهيات كالتعريف في نحو: أكلت الخبز وشربت الماء، والجنسي هو الذي ينضم إليه شمول الآحاد نحو: الرجل أفضل من المرأة، وكلا نوعي العهد لا يوجب استغراقها، وإنما يوجبه الجنسي خاصة، فالزمخشري جعل تعريف الحمد من النوع الثاني من نوع العهد وإن كان قد عبر عنه بتعريف الجنس لعدم اعتنائه باصطلاح أصول الفقه، وغير الزمخشري جعله للجنس، فتقتضي بإفادته لاستغراق جميع أنواع الحمد وليس ببعيد.
صفحہ 50
قال محمود رحمه الله (العالم اسم لذوي العلم من الملائكة الخ) قال أحمد رحمه الله: تعليله الجمع بإفادة استغراقه لكل جنس تحته فيه نظر، فإن عالما كما قرره اسم جنس عرف باللام الجنسية فصار العالم وهو مفرد أدل على الاستغراق منه جمعا، قال إمام الحرمين رحمه الله: التمر أحرى باستغراق الجنس من التمور، فإن التمر يسترسل على
صفحہ 53
الجنس لا بصيغة لفظية، والتمور ترده إلى تخيل الوحدان ثم الاستغراق بعده بصيغة الجمع وفى صيغة الجمع مضطرب انتهى كلامه. والتحقيق في هذا وفى كل ما يجمع من أسماء الأجناس ثم يعرف تعريف الجنس أنه يفيد أمرين: أحدهما أن ذلك الجنس تحته أنواع مختلفة، والآخر أنه مستغرق لجميع ما تحته منه، لكن المفيد لاختلاف الأنواع الجمع، والمفيد لاستغراق جميعها التعريف، ألا ترى أنه إذا جمع مجردا من التعريف دل على اختلاف الأنواع، ثم إذا عرف أفاد الاستغراق غير موقوف على الجمعية، إذ هذا حكم مفرده إذا عرف. فقول الزمخشري إذا إن فائدة جمع العالمين الاستغراق مردود وبثبوت هذه الفائدة وإن لم يجمع. وقول إمام الحرمين إن الجمع يؤيد الإشعار بالاستغراق لما نتخيله من الرد إلى الوحدان مردود بأن فائدة الجمع الإشعار باختلاف الأنواع، واختلافها لا ينافي استغراقها بصيغة المفرد المقرر من تعريف الجنس، وإن أراد أن الجمع يخيل الإشارة إلى أنواع مختلفة معهودة فهذه الخيل بعينه من المفرد، فالعالم إذن جمع ليفيد اختلاف الأنواع المندرجة تحته من الجن والإنس والملائكة، وعرف ليفيد عموم الربوبية الله تعالى في كل أنواعه. وتوضيح هذا التقرير أنا لو فرضنا جنسا ليس
صفحہ 54
تحته إلا آحاد متساوية وهو الذي يسميه غير النحاة النوع الأسفل، لما جاز جمع هذا بحال لا معرفا ولا منكرا، وبهذه الفائدة يرد قول إمام الحرمين أن التمور جمع من حيث اللفظ لا معنى تحته لجمع الجمع في نحو نوق ونياق وأينق. وأما تعليل الزمخشري جمعه بالواو النون بإشعاره بصفة العلم فيلحق بصفات من يعقل فصحيح إذا بنى الأمر على أنه لا يتناول إلا أولى العلم، وأما على القول بأنه اسم لكل موجود سوى الله فيحتاج إلى مزيد نظر في تغليب العاقل في الجمع على غير العاقل.
صفحہ 55
قال محمود رحمه الله (وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات الخ) قال أحمد رحمه الله يعنى أنه ابتدأ بالخطاب ثم التفت إلى الغيبة ثم إلى التكلم، وعلى هذا فهما التفاتات لاغير، وإنما أراد الزمخشري والله أعلم أنه أتى بثلاثة أساليب خطاب لحاظر وغائب ولنفسه، فوهم بقوله ثلاث التفاتات، أو نجعل الأخير ملتفتا التفاتين عن الثاني وعن الأول فيكون ثلاثا، والأمر فيه سهل
صفحہ 63
قال محمود رحمه الله (فإن قلت لم قدمت العبادة على الاستعانة الخ) قال أحمد رحمه الله: معتقد أهل السنة أن العبد لا يستوجب على ربه جزاء، تعالى الله عن ذلك والثواب عندنا من الإعانة في الدنيا على العبادة، ومن صنوف النعيم في الآخرة ليس بواجب على الله تعالى بل فضل منه وإحسان. في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال:
" لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " مضافا إلى دليل العقل المحيل أن يجب على الله تعالى شئ لكن كما قام الدليل عقلا وشرعا على أنه تعالى لا يبج عليه شئ فقد قام عقلا وشرعا على أن خبره تعالى صدق ووعده حق أي يجب عقلا أن يقع، فإما أن يكون الزمخشري تسامح في إطلاق الاستيجاب وأراد وجوب صدق الخبر وإما أن يكون أخرجه على قواعد البدعية في اعتقاد وجوب الخبر على الله تعالى وإن لم يكن وعد.
صفحہ 65
قال محمود رحمه الله (وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام) قال أحمد رحمه الله: إن إطلاق الإنعام يفيد الشمول كقوله إن إطلاق الاستعانة يتناول كل مستعان فيه وليس بمسل فإن الفعل لا عموم لمصدره. والتحقيق أن الإطلاق إنما يقتضى إبهاما وشيوعا، والنفس إلى المبهم أشوق منها إلى المقيد لتعلق الأمل مع الإبهام لكل نعمة تخطر بالبال.
صفحہ 69