انصاف
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
اصناف
قرأت في كتاب ”جنان الجنان، ورياضة الأذهان“ لابن الزبير المصري (هو القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير) قال: حدثني القاضي أبو الفتح محمود بن القاضي إسماعيل بن حميد الدمياطي،قال: حدثني أبي، قال: حدثني هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، وكانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة، قال: كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان،ما (¬1) يكثر تعجبي منه. فلما وصلت المعرة قاصدا الديار المصرية، لم أقدم شيئا على لقائه، فحضرت إليه، واتفق حضور أخي معي، وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر، فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها، فتحدثت مع أخي حديثا باللسان الفارسي، فأرشدته إلى ما يعمله فيها، ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء، فتجارينا الحديث (¬2) ، إلى أن ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ، وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه.فقال: خذ كتابا من هذه الخزانة قريبة (¬3) منك، واذكر أوله فإني أورده عليك حفظا. فقلت: كتابك ليس بغريب إن حفظته؛ قال: قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية، إن شئت أعدته. قلت: أعده. فأعاده ما أخل والله بحرف منه، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية. اه وأخبرني عنه بمثل هذه الحكاية والدي رحمه الله تعالى، فيما يأثره (¬1) عن الشيوخ الحلبيين، قال: كان لأبي العلاء جار أعجمي بمعرة النعمان، فغاب في بعض حوائجه عن معرة النعمان. فحضر رجل غريب أعجمي قد قدم من بلاد العجم يطلبه، فوجده غائبا، وهو مجتاز لم يمكنه المقام، وذلك القادم لا يعرف اللسان العربي. فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه. فجعل يتكلم بالفارسية، وأبو العلاء يصغي إليه، إلى أن فرغ من كلامه، وهو لا يفهم ما يقول. ومضى الرجل، وقدم جار أبي العلاء العجمي الغائب، وحضر عند أبي العلاء. فذكر له حال الرجل، وطلبه له، وجعل يعيد عليه بالفارسية ما قال، والرجل يبكي ويستغيث ويلطم على رأسه، إلى أن فرغ أبو العلاء. وسئل عن حاله، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وإخوته وجماعة من أهله. أو كما قال.
صفحہ 76