فتناول صائب الحديث وهو يتواضع وقال: «طبعا لا ينبغي أن يكون فيه شيء من ذلك، لأن المخلصين للذات الشاهانية يعاملون غير معاملة الخوارج المارقين»، وتشاغل بإصلاح نظارته لحظة وتنحنح ثم قال: «هذا تلغراف يا سيدتي من أحد أصدقائي بالقصر ينبئني فيه بأن مولانا الخليفة - أعزه الله - قد أنعم على سيدي طهماز بك برتبة سنية بناء على ما تحققوه من صدق ولائه للذات الشاهانية.»
فقطع طهماز كلامه قائلا: «ومن أين عرفوا ذلك لو لم يتفضل سعادة البيك بإبلاغه إليهم؟ فأنت صاحب الفضل في هذه الرتبة.»
فأخذ صائب يتلطف ويتواضع ويتظاهر بأنه لم يفعل شيئا، وأن طهماز إنما نال تلك الرتبة عن استحقاق لإخلاصه ولما يرجوه أمير المؤمنين من الخدمات النافعة على يده. وطهماز يجيب معتذرا متواضعا، وتوحيدة بينهما جامدة كالصنم لاشتغال خاطرها بما تخافه من حديث زوجها بشأن الخطبة أو ما يجري مجراها، فأحبت أن تشغلهما عن هذا الموضوع فقالت: «ألم يعلم صائب بك شيئا عن رامز؟»
فتزحزح صائب عن كرسيه وهو يظهر الاحتفاء بحديث توحيدة وقال: «نعم يا سيدتي، إن أمر هذا الشاب أهمني كثيرا نظرا لما علمته من علائق القربى بينكم وبينه، وقد سألت ناظم بك عما جرى في شأنه فقال: إنه جاءه تلغراف من القصر يطلبون فيه توجيه رامز إلى الأستانة، وأظنهم يحملونه إليها بقطار الليلة.»
فأجفلت توحيدة وندمت لأنها فتحت هذا الحديث وخافت أن تسمعه ابنتها، فأرادت تحويله فلم تجد غير الرجوع إلى حديث الرتبة فقالت: «ينبغي أن نشكر لك سعيك في هذه الرتبة.»
فقطع طهماز كلامها قائلا: «وسنشكر فضله أكثر من ذلك متى نجح سعيه في سبيل رامز، لا أظن ذلك يصعب عليه، أين ابنتنا شيرين؟»
قالت: «لا تزال مريضة، وقد مررت بها قبل مجيئي إلى هنا فوجدتها نائمة مشدودة الرأس من صداع طرأ عليها.»
فقال وهو يتناول سيكارة من علبة بين يديه ويقدمها إلى صائب: «طبعا أصابها الصداع من الحزن، ولكن ...»
فقطع صائب كلامه قائلا: «ألا يحق لها أن تحزن والشاب ابن خالتها وقد تعاشرا كالأخوين؟ إني قاسيت كثيرا ومرت بي أحوال عديدة، ومع ذلك فإن أمر رامز أقلق راحتي، مسكين! سأبذل جهدي في التخفيف عنه، وأنا أعد ذلك واجبا علي بالنظر لما لاقيته من مؤانسة سيدي البيك وحضرة هانم أفندي (وأشار إلى توحيدة)، وأود لو أستطيع أن أفعل شيئا يخفف عن شيرين، لأني أشعر بانعطاف خاص نحوها بعد ما آنسته من آدابها ولطفها وحسن تربيتها حفظها الله!»
قال ذلك ومد يده إلى جيبه وأخرج علبة مكسوة بالمخمل المزركش، وقال وهو يفتحها: «وأظن مما ألاقيه من لطفكم أن شيرين تشعر نحوي بمثل ما أشعر به نحوها، فإذا قبلت هذه الهدية مني تحقق ظني، وعندئذ أعد نفسي سعيدا.»
نامعلوم صفحہ