فودت توحيدة في تلك الساعة أن تكون محجبة، لأنها كرهت أن تعود إلى موضوع خطبة هذا الرجل لابنتها على رغم اهتمامها بأمره بعد ما سمعته من التهديد، فتولتها الحيرة وأخذت تنتقل بين غرف الدار وهي تسمع قرقعة عصا صائب وهو يضعها على الشماعة. ثم سمعت طهماز يرحب بضيفه العزيز ويدعوه إلى حجرة الاستقبال، فخطر لها أن تتفقد ابنتها لترى حالها بعد سماع جرس الدار وعلمها بقدوم صائب، فدخلت عليها فوجدتها قد توسدت الفراش وأحاطت رأسها بعصابة كأنها تشكو صداعا، فهرعت إليها وأخذت تجس يدها لئلا تكون محمومة فلم تجد بها بأسا، فضمتها وقبلتها وهي تقول: «ما لك يا عيوني؟ مم تشكين؟»
فأجابت شيرين بصوت ضعيف: «أشكو من صداع خفيف، لا تخافي.»
فقبلت جبينها وكأنها تجسه بشفتيها لتتحقق خلوه من السخونة، ثم قالت: «توسدي يا حبيبتي، نامي إن النوم يخفف الصداع»، فقالت: «أنا أحاول النوم جهد طاقتي.»
وأرادت توحيدة بإغراء شيرين بالنوم ألا تسمع ما قد يدور بين أبيها والضيف من الحديث الذي يؤلم عواطفها لقرب غرفتها من حجرة الاستقبال، فسرها أنها أذعنت حالا ونامت بدون أن تبدل ثيابها. وخرجت توحيدة وهي تسمع صوت زوجها يناديها، فأصلحت من شأنها ووضعت الخمار على رأسها ودخلت، فوقف صائب بك يهش لها ويرحب بها وقال: «إني في غاية الامتنان للطف سيدي طهماز بك وأنسه، فإنه يعدني من أهل المنزل كأحد أولاده، وأنا أعلم أنه لا يفعل ذلك مع كثيرين، وهذه هي المرة الثانية التي أجيء فيها إليكم. تفضلي اجلسي.» قال ذلك وجلس.
فجلست باحترام وهي ترحب به مجاملة، فوقع نظرها على ورقة في يد طهماز يتصفحها وهو يبتسم ولسان حاله يقول: «اسألوني عن فحواها.»
فأدركت توحيدة غرضه فقالت: «ما هذا يا سيدي؟» وأشارت إلى الورقة.
فقال: «تلغراف من الأستانة.» وأبرقت عيناه.
فتبادر إلى ذهنها أنه تلغراف بإطلاق سبيل رامز، فتسارعت دقات قلبها وهمت أن تخطفه من يده لتقرأه، لكنها أمسكت نفسها تأدبا وقالت: «لعله عن رامز؟» فهز كتفيه وقال وفي صوته غنة دلال أو مداعبة: «لا، ولكنه لشأن آخر لا أقوله لك.»
فلم يرق لها ذلك الدلال، ولكنها تجلدت وقالت: «أي شأن يا سيدي؟ هل يهمني أن أعرفه؟»
فضحك وقال: «طبعا يهمك، لأنه شأن زوجك. لا تخافي ليس فيه أمر بالنفي أو السجن والحمد لله.»
نامعلوم صفحہ