قال: «ولماذا لم تنتظم أنت فيها؟»
قال: «لأني لم أوفق إلى ذلك، وليس في استعداد لها على ما أظن.»
قال: «إذا شئت فإني أتوسط لك في خدمة، إن لم تكن في الجندية ففي غيرها. أنت تحب العلم والأدب، ولك معرفة جيدة باللغات، لأني أذكر تقدمك على أقرانك، فإذا شئت وجدت لك منصبا في المدارس أو في الداخلية أو غيرها. لا يثقل عليك أن تطلب مني كل ما تريده، إن هذا هين علي، ونحن أخوان لا تكليف بيننا، وقد وعدت سيدي طهماز بك برتبة ستأتيه بعد أيام قليلة.»
فلما سمعت شيرين ذلك شعرت كأن أحشاءها تتمزق، فوقفت وهي ترتعد وتظهر أنها ترتجف من شدة البرد، والحقيقة أنها ترتعد غيظا من ذلك الثقيل، فوقفت ووقفت والدتها معها ووقف رامز، فلم يجد صائب بدا من الإذعان، وضرب على المائدة بعصا قبضتها من ذهب تلمع في النور، فأتى الخادم (الجارسون) فدفع إليه ليرة عثمانية ولم ينتظر أن يرد إليه الباقي، فانحنى الجارسون إلى الأرض. ونهض صائب وطهماز، ومشوا يلتمسون الخروج من الحديقة، وقد دنا وقت العشاء وأخذ الناس ينسلون من الحديقة. •••
انصرف صائب على أثر خروجهم من الحديقة، بعد أن ودعهم وأطال النظر إلى شيرين وهي تتجاهله، وودعه طهماز وداع الصديق الحميم. أما رامز فرافق شيرين وأبويها، وفي أثناء الطريق خاطبته شيرين بالفرنسية وشكت له نفورها من صائب، وأوصته أن يبتعد عن صحبته، فقال: «وما الذي يهمني منه؟»
قالت: «إني شعرت بنفور منه، ورأيت الشر ينبعث من وراء نظارته، ولا يبعد أن يكون جاسوسا.»
قال: «فليكن ما شاء.»
وبعد قليل وصلوا إلى طريق عرج منه رامز إلى منزله بعد أن ودعهم، وقال لشيرين بالفرنسية: «إني ذاهب إلى المنزل لأكتب مقالة الليلة.» فقالت له: «سر في حراسة الله!» وتواعدا على أن يأتي في الغد ليقرأ لها ما كتبه ويتغدى معهم.
أما صائب فلم يفته ما أضمرته شيرين من بغضه فشبت الغيرة في قلبه، وركب مركبة سارت به إلى الفندق الذي كان نازلا فيه. وقضى معظم الطريق مستغرقا في الهواجس وقد أخذت شيرين بمجامع قلبه، وكان قد لمح إلى أبيها بإعجابه بها، فأظهر هذا ارتياحه لذلك طمعا فيما وعده به من الرتب.
ووصلت به المركبة إلى الفندق وهو لا يزال تائها في بحار الفكر، فلما وقفت انتبه لنفسه وتحول وهو يفكر في رامز وشيرين، وكلما تصور عيني شيرين ومبسمها خفق قلبه. وكان قد شاهدها مرارا من قبل وافتتن بجمالها فصبر حتى لقي أباها وملكه بأسلوبه ودهائه وصار له أمل في نيلها، فذهب معه وهو يرجو أن يرى منها انعطافا، فلما رآها تجافيه وتلاطف رامزا شبت نار الغيرة في قلبه.
نامعلوم صفحہ