البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي
البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي
ناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
اصناف
ذم التفرق وبيان أسبابه:-
إذا علم ذلك فإن الطريق الصحيح إلى النجاة هو التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ فإنهما حصن حصين وحرز متين لمن وفقه الله تعالى ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالبعد عن البدع والخرافات التي ابتدعها المبتدعون، وأحدثها المحدثون، وروجها المبطلون، وأكلت أموال الناس بالباطل من دعاة النحل المختلفة، والطرق المتشعبة التي ليست من الإسلام في شيء، وقد ذم الله تلك الطرقة المنحرفة الكثيرة التي جعلت المسلمين شيعًا وأحزابًا وشتت شملهم، وجعلتهم لقمة سائغة لأعدائهم، لا لقلة عددهم وعدتهم، وإنما نتيجة لتمزق شملهم وتفرق كلمتهم، كما قال ﷺ: "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، وما لا شك فيه أنه لا شيء أعظم فسادًا للدين وأشد تقويضًا لبنيانه وأكثر تفريقًا لشمل الأمة من البدع فهي تفتك به فتك الذئب بالغنم وتنخر فيه نخر السوس في الحب وتسري في كيانه سريان السرطان في الدم أو النار في الهشيم.
ولهذا جاءت النصوص الكثيرة تبالغ في التحذير منها، وتكشف عن سوء عواقبها من التفرق والاختلاف في الدنيا، والعذاب والخزي وسواد الوجوه في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ .
قال ابن عباس: "تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة".
وقال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ . وقد نص المفسرون ﵏ على أن الآية تعني أهل البدع والأهواء نقلًا عن كثير من السلف، ولا ريب أن من أعظم أسباب التفرق تلك البدع والمحدثات التي هي شرع لم يأذن به الله. وقد أخبر رسول الهدى ﷺ عن افتراق هذه الأمة بسبب انحرافها عن سنته القويمة وما عليه صحبه الكرام من بعده كما روى أبو داود وابن ماجة والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة عنه ﷺ أنه قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعون فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة "، وفي رواية أن أمته "تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"؛ والجماعة هي من كانت على الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وأصحابه، رضوان الله عليهم.
49 / 59