لم تنم فؤادة منذ جاء رجال البوليس إلى البيت وأخذوا معهم زوجها، وإن غفت لحظة تصحو فزعة على صوت الجرس.
تم حظر التجوال ونزلت القوات المسلحة إلى الشوارع.
قتل الآلاف من الشباب، الأعداد الحقيقية لا يعرفها أحد.
لم تسمع فؤادة الجرس ذلك الصباح، تعرف دقة سعدية فتشعر براحة عميقة، تنتشلها سعدية من عبء أعمال البيت والمطبخ، ليس من السهل العثور على شغالة مثلها، تواظب على مواعيدها كالساعة، تحمل العبء صابرة كالجمل صامتة كالجبل، لا تشكو ولا تطلب شيئا، نظيفة لا تشم في ملابسها رائحة عرق، ذات كبرياء وعزة نفس.
فؤادة لا تكره في الدنيا مثل شغل البيت والمطبخ، لم تدربها أمها على هذه الأعمال، متكررة متشابهة، تقوم بها الآلات، والزوجات والخادمات من قاع المجتمع، بالأمس لم تذهب فؤادة إلى الجورنال، غسلت الصحون المتراكمة في الحوض، أخرجت قطعة اللحم المجمدة من الثلاجة، قشرت الثوم والبصل، دمعت عيناها فعطست، وضعت الحلة على النار ثم أسرعت لترد على التلفون في الصالة، انخرطت في نقاش حاد مع رئيس التحرير: أنا المسئولة عن كتاباتي يا أستاذ موش إنت. - أنا رئيس التحرير المسئول موش إنت يا أستاذة فؤادة.
يستمر النقاش الحاد حتى تنبعث من المطبخ رائحة دخان، اللحمة اتحرقت يا أستاذ، تلعن الجورنال والصحافة ورئيس التحرير.
دق الجرس فانتفضت فؤادة مسرعة إلى الباب. - تأخرت يا سعدية. - معلهش يا ست فؤادة. - إزي هنادي؟ - الحمد لله. - المشكلة بسيطة ولها حل. - البركة فيك. - دكتور كويس هيعمل العملية. - كتر خيرك يا ست فؤادة. - ما فيش خطر من عملية الإجهاض.
انتفضت سعدية حين سمعت كلمة الإجهاض، خرجت الكلمة سهلة من بين شفتي الأستاذة، كأنها شكة إبرة وليست عملية جراحية لقتل الطفل في بطن ابنتها، تسد أذنها بيدها السمراء المشققة، لا تريد أن تسمع كلمة إجهاض، لا تحس الأستاذة بمأساة ابنتها، لا يهمها إلا أن تحضر سعدية في الموعد وتقوم بالشغل.
ترمق سعدية بطرف عينيها بطن الأستاذة المرتفع تحت البلوزة الحريرية، هي حامل مثل ابنتها في الشهر الثالث، زوجها شاكر بيه في جوارها، لا يفكر الأب والأم في إسقاط طفلهما، ولهما طفلة أخرى في المدرسة.
فين العدل يا رب؟
نامعلوم صفحہ