اضطر يسوع ذات مرة أن يطلب من امرأة غريبة ماء ليشرب، لكنها أبت عليه ذلك؛ لأنها تدين بديانة تخالف ديانته، ولكنه قال لها بشأن ذلك ما يأتي: لو كنت تعلمين أن الذي يطلب منك الماء هو إنسان حي، وبه روح الآب؛ لما امتنعت عن إعطائه الماء، بل لسعيت بفعلك الخير للاتحاد بالروح مع الآب، وروح الآب يعطيك في نظير ذلك ماء لا يعطش أبدا من يشربه، وتكون له الحياة الأبدية، وليس من لزوم للصلاح لله، بل يلزم خدمة أولئك الذين حلت روحه بهم خدمة حقيقية.
ثم قال يسوع لتلاميذه: إن طعام الإنسان الحقيقي هو أن يتمم إرادة الآب الروح، وهو أمر مستطاع في جميع الأحوال، إن حياتنا ما هي إلا مجموعة أثمار تلك الحياة التي زرعها فينا الآب، والأثمار هي الخير والصلاح اللذين نصنعهما للناس دون أن ننتظر عليهما أجرا أو مكافأة.
وجاء يسوع مرة إلى أورشليم، وفيما هو مجتاز مر على بركة ماء فرأى رجلا مريضا جالسا إلى جانبها لا يعمل شيئا، بل كان ينتظر شفاءه من مرضه بعجيبة، فدنا يسوع منه وقال له: لا تنتظر شفاءك بعجيبة أبدا، بل ابق عائشا ما دامت فيك قوة للمعيشة، ولا تغلط بفهم معنى الحياة. فسمع المريض كلام يسوع، ونهض من ساعته وسار في طريقه، ولما رأى ذلك الفريسيون حنقوا على يسوع؛ لأنه كلم الضعيف وأنهضه في يوم السبت، فقال يسوع: إنني لم أفعل شيئا جديدا، بل فعلت ما يفعله أبونا الروح الذي هو حي ويحيي الناس، وأنا فعلت هذا أيضا.
إن كل إنسان مطلق الحرية يستطيع أن يعيش أو يموت، فإذا أراد العيشة عليه أن يتمم إرادة الآب؛ أي إنه يفعل الخير مع الجميع، وإذا طلب الموت فإنه يتمم إرادة نفسه ويعيش على هواه ولا يفعل الخير لأحد، وفي إمكان كل واحد أن يفعل هذا وذاك فينال الحياة أو يهلكها، وحياة الناس الحقيقية تشبه رجلا قسم ثروته على عبيده، وأمر كل واحد أن يشتغل بالنصيب الذي ناله، فالبعض منهم اشتغل بالمال، والبعض الآخر لم يشتغل، بل أخفى ما أخذ، وعندما طلب الرجل محاسبة عبيده أغدق خيره على من اشتغل، ونزع النصيب الذي أعطاه لمن لم يشتغل، فثروة الرجل هي روح الحياة في الإنسان الذي هو ابن الآب الروح.
فمن يعمل في حياته يعمل للحياة الروح فينال حياة أبدية خالدة، ومن لا يعمل تنزع منه الروح التي أعطيت له.
والحياة الحقيقية هي الحياة العامة لجميع الناس، وليست حياة فرد من أفرادهم، ويتحتم على الجميع أن يعملوا للحياة العامة.
وبعد هذا مضى يسوع إلى البرية وتبعه جمهور غفير من الشعب، ولما حان المساء دنا منه تلاميذه وقالوا له: بم نعول هذا الشعب؟ وكان بين الحاضرين قوم تزودوا للطريق بالخبز والسمك، وبعضهم لم يأخذ معه زادا للطريق، فقال يسوع لتلاميذه: أحضروا لي كل ما عندكم من الخبز. ففعلوا، فأعطاه للتلاميذ، والتلاميذ أعطوا الذين ليس معهم زاد، ولما رأى فعلهم أولئك الذين كان معهم الخبز والسمك حذوا حذو التلاميذ وجعلوا يعطون الذين ليس معهم زاد، وعلى هذه الطريقة أكل الشعب وشبع، فقال إذ ذاك يسوع: افعلوا دائما هكذا؛ لأنه لا ينبغي على كل إنسان أن يسعى لتحصيل الطعام لنفسه فقط، بل ينبغي عليه أن يعمل طبقا لما تطلبه منه الروح الموجودة فيه؛ أي أن يعطي للغير كل ما عنده؛ لأن طعام الناس الحقيقي هو روح الآب، والناس عائشون بالروح، وينبغي عليهم أن يخدموا كل من فيه روح؛ لأن الحياة لا تقوم بإتمام إرادة كل منا، بل بإتمام إرادة أب الحياة.
وإرادة أب الحياة تطلب أن تبقى حياة الروح الموجودة في كل إنسان، وأن الجميع يضبطون في نفوسهم حياة الروح إلى آخر نسمة من حياتهم، والآب هو ينبوع جميع الحياة، أما الجسد فهو طعام حياة الروح والذي يمحض جسده لخدمة الروح ذلك يحيا فقط.
وبعد ذلك اختار يسوع تلاميذه، وأرسلهم إلى كل مكان ليكرزوا بتعليمه عن الحياة الروح، وعندما أرسلهم قال لهم: اكرزوا بين الناس بالحياة الروح؛ ولذلك ينبغي عليكم أن تبتعدوا عن جميع شهوات وملذات الجسد، لا تحملوا معكم شيئا مطلقا، وكونوا مستعدين للاضطهاد والعذاب والإهانة؛ لأن الناس الذين يحبون ويعبدون الجسد سيبغضونكم ويعذبونكم ويسلمونكم للقتل، ولكن أنتم لا تخافوا لأنكم إذا أتممتم إرادة الآب تكون لكم حياة الروح الخالدة التي لا يستطيع أحد أن ينزعها منكم؛ فذهب التلاميذ وعندما رجعوا أخبروه بأنهم في كل مكان حلوه كانوا يستظهرون على التعاليم الشريرة، وحينئذ قال الفريسيون ليسوع: إذا كان تعليمه يغلب الشر فهو إذن الشر بعينه؛ لأن الناس الذين يتممونه يتحملون العذاب والإهانة، فأجابهم يسوع: إن الشر لا يغلب بالشر مطلقا، وإنما الشر يغلب بالصلاح الذي هو في الحقيقة، ونفس الأمر إرادة الآب الروح العامة لجميع الناس، وكل إنسان يعلم أنه يستطيع عمل الصلاح مع الآخرين، وأنه بذلك يتمم إرادة الله، فإذن ينجم عن ذلك أن الصلاح يتوقف على إتمام إرادة الله بقطع النظر عما يصادف متممها من صنوف العذاب والموت. •••
متى، 11: 25: فتهلل يسوع بالروح، وقال: إني أعترف بأن روح الآب أصل كل شيء مما في السماء وما على الأرض؛ لأن الذي كان خافيا عن العقلاء والحكماء أصبح معلنا لعديمي الفهم الذين يعترفون بأنهم أبناء الآب.
نامعلوم صفحہ