Inference by Al-Khatib Al-Sharbini in His Interpretation of Al-Siraj Al-Munir
الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير
اصناف
فدلّ على تأكيد وجوب العدل وعنايته سبحانه به مع البَرّ والفاجر، فإذا كان وجوب العدل مع الكفار وهم أعداء الله بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياء الله (^١)، لاشك أنه أولى وألزم.
وممن أشار إلى هذه الدلالة من المفسرين: الزمخشري، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، والألوسي، والقاسمي، وغيرهم. (^٢)
والخطاب في الآية عام لجميع الخلق بأن لا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظلم، وقيل: الآية خاصة بالكفار لأنها نزلت في يهود خيبر لما هموا بقتل النبي ﷺ (^٣)، والذي يظهر- والله تعالى أعلم - أن الآية وإن كان سببها خاصًا إلا أن المراد بها العموم؛ فقد أمر تعالى بالعدل وأكّد عليه هُنا وفي مواضع كثيرة لعموم الناس، فقال سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: ٩٠]، وقال: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨].
وحثّ سبحانه على العدل مع الكفار والمنافقين، ونهى أن يكون البغض لشخصٍ ما ولو بحق سببًا للحيد عن العدل الذي أمر الله تعالى به؛ فقال في العدل مع الكفار: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢]، وقال سبحانه في هذه الآية ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ
(^١) ينظر: التفسير الكبير للرازي ١١/ ٣٢٠
(^٢) ينظر: الكشاف ١/ ٦١٣، والتفسير الكبير ١١/ ٣٢٠، وأنوار التنزيل ٢/ ١١٧، ومدارك التنزيل ١/ ٤٣٢، وإرشاد العقل السليم ٣/ ١٢، وروح المعاني ٣/ ٢٥٤، ومحاسن التأويل ٤/ ٧٨.
(^٣) ينظر: جامع البيان ١٠/ ٩٦، والدر المنثور (٣/ ٣٥).
1 / 322