زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

Abdul Razzaq bin Abdul Mohsin Al-Badr d. Unknown

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

تحقیق کنندہ

-

ناشر

مكتبة دار القلم والكتاب،الرياض

ایڈیشن نمبر

الأولى ١٤١٦هـ/ ١٩٩٦م

پبلشر کا مقام

المملكة العربية السعودية

اصناف

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه بقلم: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى

١ سورة آل عمران، الآية: ١٠٢ ٢ سورة النساء، الآية: ١. ٣ سورة الأحزاب، الآيتان:٧٠-٧١.

1 / 5

محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد، فإن مباحث الإيمان ومسائله هي أهم المسائل على الإطلاق، لأنها أهم مباحث الدين وأعظم أصول الحق واليقين، بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على الإيمان الصحيح. وكم للإيمان الصحيح من الفوائد المغدقة، والثمار اليانعة، والجنى اللذيذ، والأكل الدائم، والخير المستمر، أمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى عاجلة وآجلة.- وبالإيمان يحيى العبد حياة طيبة في الدارين، وينجو من المكاره والشرور والشدائد، ويدرك جميع الغايات والمطالب، وينال ثواب الآخرة فيدخل جنة عرضها كعرض السماء والأرض، فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وينجو من نار عذابها شديد وقعرها بعيد، وأعظم من ذلك كله أن يفوز برضى الرب سبحانه فلا يسخط عليه أبدًا، ويتلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم، وما ثمة مطلقًا نعيم أعظم ولا أكمل من هذا النعيم. وبالجملة فالخير كله فرع عن الإيمان ومترتب عليه، والهلاك والدمار والشر كله إنما يكون بفقد الإيمان ونقصه. فلا غرو إذن أن تكون مباحثه أهم المباحث وأعظمها وأولاها بالعناية والاهتمام، وأجدرها بصرف الهمم والأوقات، وشرف العلم من شرف معلومه، وليس هناك أشرف من الإيمان وعلومه، التي يتحقق بتحققها كل خير ويصرف كل شر، بل لا صلاح للعباد ولا فلاح ولا حياة طيبة ولا سعادة في الدارين، ولا نجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالإيمان الصحيح علمًا وتطبيقًا، فالعلم والإيمان هما أفضل

1 / 6

هبات الرحمن وأجل عطياته. قال ابن القيم ﵀: "أفضل ما اكتسبته النفوس، وحصلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، هو العلم والإيمان، ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ ١، وقوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ٢. وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه، والمؤهلون للمراتب العالية، ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقتهما، حتى إن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم والإيمان هو الذي به تنال السعادة، وليس كذلك، بل أكثرهم ليس معهم إيمان ينجى ولا علم يرفع، بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم والإيمان اللذين جاء بهما الرسول ﷺ ودعا إليهما الأمة، وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم ... "٣. ولو ذهبنا نتتبع المفاهيم الخاطئة، والاعتقادات المنحرفة في كلمتي علم وإيمان لطال المقام ولوقفنا على العجب العجاب، إذ إن كل صاحب هوى وبدعة، وكل صاحب طريقة ونحلة يدعي أن ما عنده هو العلم النافع والإيمان الصحيح، والحق أن الإيمان وراء هذه الدعاوى والتخرصات، وفوق هذه الأباطيل والادعاءات فلا علم ولا إيمان إلا ما جاء به الرسول ﷺ، وما سوى ذلك فهذيان مزوق وبهتان مبهرج٤

١ سورة الروم، الآية: ٥٦. ٢ سورة المجادلة، الآية: ١١. ٣ الفوائد (ص ١٩١) . ولكلامه تتمة مهمة، تركتها خشية الإطالة، فلتراجع. ٤ قال شيخ الإسلام: "العلم شيئان: إما نقل مصدق، أو بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مزوق". انظر الرد على البكري (ص٣٧٥) . وانظر أيضًا الفتاوى (١٣/٣٢٩) .

1 / 7

﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ ١. فلما كان أمر الإيمان بهذه المنزلة، وحاله بين أهله على هذا الوصف، صار واجبًا على أهل العلم وطلابه أن يبينوا الإيمان الصحيح لذويه وأهله، ويوضحوا الحق المبين لراغبيه وطلابه، حتى يظهر الحق ويرتفع سنامه، وينقمع الباطل وتتهدم أركانه، ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ٢، ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ ٣، فتقام الحجة وتتضح المحجة ويستبين السبيل، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ٤. ولما من الله عليّ وأكرمني بالتوجه لطلب العلم الشرعي وسلوك طريقه، ومواصلة التلقي والدراسة في رياض هذه الجامعة المباركة- إن شاء الله- وكان لازمًا على كل طالب في مرحلتها العالمية العالية أن يقدم- بحثًا علميًا في مجال تخصصه، رأيت أن يكون بحثي حول بعض مسائل الإيمان المهمة، فوقع اختياري على مسألتين هما من كبار مسائل الإيمان ومن أهم مباحثه ألا وهما مسألتا "زيادة الإيمان ونقصانه "و"حكم الاستثناء فيه"، ويرجع اختياري لهاتين المسألتين دون غيرهما من مسائل الإيمان إلى أسباب عديدة أهمها ما يلي:

١ سورة النور، الآيتان: ٣٩-٤٠. ٢ سورة الشورى، الآية: ٢٤. ٣ سورة الأنفال، الآية: ٨. ٤ سورة الأنفال، الآية: ٤٢.

1 / 8

أولًا: أنهما من أهم وأكبر مسائل الإيمان، وبخاصة مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، وقد رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية يصفها بأنها مسألة كبيرة تحتاج إلى البسط والإطناب١، وهذا مما يدل على أهميتها وأهمية البحث فيها. ثانيًا: أن هاتين المسألتين لم تفردا ببحوث علمية مستقلة، تستوفي أطرافهما وتجمع شتاتهما، وإن كانتا قد كتب فيهما ضمنًا في ثنايا الكتب، وألف فيهما رسائل صغيرة مفردة لكنها لا تفي بالمقصود٢، وهي بالرغم من ذلك في حكم المفقود، وفي هذا أعظم دافع لإفرادهما ببحث مستقل. ثالثًا: أن للسلف في هذين الموضوعين أقوالًا كثيرة نافعة، وهي متناثرة في بطون الكتب، فمن الجدير حقًا أن تجمع ويعتنى بها وتنسق وتصنف في مكان واحد ليتم الانتفاع بها، وتتسنى الاستفادة التامة منها. رابعًا: أن هذين الموضوعين متعلقان بأهم مطلب وأعظم غاية وهو الإيمان، الذي فيه عزة الأمة ورفعتها وكمالها وسؤددها،

١ انظر الفتاوى (٦/ ٤٧٩، ٤٨١) بل لقد أفردها وبسطها ﵀ في مجلد، ذكر ذلك ابن القيم في كتابه اأسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ا (ص ٢٣) حيث عدّ من مؤلفاته: "رسالة في الإيمان هل يزيد وينقص "وذكر أنها في مجلد. ٢ وقفت من خلال كتب التراجم علي رسالتين في زيادة الإيمان ونقصانه، الأولى: لعلي بن محمد بن أبي سعد بن وضاح الشهراياني الحنبلي ت ٦٧٢ هـ. انظر (ص ٣٣٤) من هذه الرسالة، والأخرى: لجلال الدين التباني الحنفي ت ٧٩٣ هـ. انظر (ص ٣٣٦) من هذه الرسالة، ولا أعرف عن وجودهما شيئًا. وفي مسألة الاستثناء وقفت على ذكر رسالة واحدة لتقي الدين السبكي ت ٧٥٦ هـ. ذكر ملخصها الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٢/٢٧٨) .

1 / 9

ومتى ما تخلت عنه وضعف فيها هانت وذلت، وتكالبت عليها الشرور، وأشرفت على المهالك، وتداعى عليها الأعداء من كل جانب، ومن تدبر حال الأمة في هذه الأزمان ورأى ضعفها وهوانها علم ذلك، فلا بد من بيان الإيمان الذي هو سبب العزة وإيضاحه، ولا بد من بيان أسباب زيادته وقوته ونمائه، وأسباب ضعفه ونقصه وزواله، تبصيرًا للأمة وتحذيرًا. خامسًا: أن المبتدعة أهل الأهواء المخالفين لأهل السنة في مسألتينا كثر، ولهم دلائل مختلفة وشبه متنوعة، يخالفون بها الحق ويثيرون الشكوك حوله، فيجب تعريتها وبيان زيفها، وكشف باطلها، لئلا يلتبس الحق بالباطل، وإن من الصدقات المبرورة والأعمال المقبولة إماطة أنواع الأذى الحسية والمعنوية عن جادة المسلمين وسابلتهم. لهذه الأسباب ولغيرها فضلت الكتابة حول هاتين المسألتين المهمتين، وإني لأرجو الله الكريم أن يكون ما كتبته وافيًا نافعًا محققًا للمنشود. هذا وقد قسمت بحثي هذا إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة: أما المقدمة: فهي هذه وقد بينت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره وخطة السير فيه. وأما التمهيد: فجعلت فيه مبحثين: المبحث الأول: في تعريف الإيمان لغة وشرعًا وأقوال الطوائف فيه. المبحث الثاني: في تعريف الزيادة والنقصان من حيث اللغة.

1 / 10

وأمّا الباب الأول: فتحدثت فيه عن قول أهل السنة والجماعة إن الإيمان يزيد وينقص. وهو يتكون من أربعة فصول: الفصل الأول: في أدلتهم من الكتاب والسنة ونقل بعض أقوالهم. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: أدلتهم من القرآن الكريم. المبحث الثاني: أدلتهم من السنة النبوية. المبحث الثالث: ذكر بعض النقول عنهم في ذلك. الفصل الثاني: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه. الفصل الثالث: أسباب زيادة الإيمان ونقصانه. وفيه مبحثان: المبحث الأول: أسباب زيادة الإيمان. المبحث الثاني: أسباب نقصان الإيمان. الفصل الرابع: في الكلام على الإسلام عندهم هل يزيد وينقص. وأمّا الباب الثاني: فتحدثت فيه عن الأقوال المخالفة لقول أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه. وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان. الفصل الثاني: قول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص.

1 / 11

الفصل الثالث: قول من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في ذكر القائلين بهذا القول. المبحث الثاني: في ذكر أدلتهم وشبههم والرد عليهم. المبحث الثالث: في بيان موقفهم من النصوص الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه. الفصل الرابع: في سبب الخلاف في هذه المسألة ونشأته وهل هو حقيقي أو لفظي. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في ذكر سبب نشوء الخلاف في هذه المسألة. المبحث الثاني: في الكلام على الخلاف في هذه المسألة هل هو عائد إلى الخلاف في تعريف الإيمان أو لا. المبحث الثالث: في بيان هل الخلاف في هذه المسألة لفظي أو حقيقي. أما الباب الثالث: فتحدثت فيه عن حكم الاستثناء في الإيمان. وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في بيان مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة. وفيه أربعة مباحث. المبحث الأول: بيان قول أهل السنة والجماعة في الاستثناء

1 / 12

ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه. المبحث الثاني: نقل أقوالهم في الاستثناء مع التوفيق بينها. المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ "أمؤمن أنت". المبحث الرابع: في حكم الاستثناء في الإسلام. الفصل الثاني: في بيان قول من قال بوجوب الاستثناء وذكر أدلتهم والرد عليها. الفصل الثالث: في بيان قول من قال بعدم جواز الاستثناء وذكر أدلتهم والرد عليها. أما الخاتمة: فقد تحدثت فيها عن خلاصة هذا البحث وأبرز النقاط التي توصلت إليها فيه. ثم إني في الختام لأشكر الله العلي القدير على توفيقه وامتنانه وجوده وإحسانه حيث يسر لي إتمام هذا البحث، وأسأله سبحانه أن يجعله لوجهه خالصًا ولسنة نبيه ﷺ موافقًا ولعباده نافعًا إنه جواد كريم. ثم أشكر جميع من أسهم معي في هذا البحث بالرأي والمشورة والنصح والتوجيه. وأخص بالذكر والدي الكريم حفظه الله ورعاه الشيخ عبد المحسن العباد فقد قرأت عليه هذا البحث واستفدت من توجيهاته القيمة وإرشاداته السديدة المفيدة، فجزاه الله عني خير الجزاء ورفع مكانته وأجزل مثوبته وأعلى في الجنة درجته إن ربي لسميع الدعاء. ثم أشكر شيخي الفاضل الأستاذ على بن ناصر فقيهي على ما بذله لي من نصح وحسن توجيه ورحابة صدر طيلة مدة الإشراف على هذه الرسالة.

1 / 13

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه على نبيه الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه عبد الرزاق البدر في ٢٣/٥/١٤١١هـ

1 / 14

تمهيد وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الإيمان لغة وشرعًا وأقوال الطوائف فيه. المبحث الثاني: تعريف الزيادة والنقصان.

1 / 15

المبحث الأول: تعريف الإيمان لغة وشرعًا وأقوال الطوائف فيه الإيمان لغة: مصدر آمن يؤمن إيمانًا فهو مؤمن١، وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية٢، وهو من الأمن ضد الخوف٣. قال الراغب: "أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف "٤. وقال شيخ الإسلام: ".. فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والإنقياد٥. وقد عرف الإيمان في اللغة بعدة تعريفات: فقيل هو التصديق، وقيل هو الثقة، وقيل هو الطمأنينة، وقيل هو الإقرار. وقد اختار شيخ الإسلام في تعريف الإيمان اللغوي أنه بمعنى الإقرار، لأنه رأى لفظة أقر أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من غيرها من الألفاظ التي فسر بها الإيمان، لأمور وأسباب ذكرها ﵀

١ تهذيب اللغة للأزهري (١٥/ ٥١٣) . ٢ الصحاح للجوهري (٥/٢٠٧١) . ٣ الصحاح للجوهري (٥/ ٢٠٧١) والقاموس المحيط للفيروز أبادي (ص ١٥١٨) . ٤ المفردات (ص ٣٥) . ٥ الصارم المسلول (ص ٥١٩) .

1 / 17

يأتي الإشارة لبعضها. ثم إنه ناقش باستفاضة وافية وبتحقيق متين قول من ادعى أن الإيمان مرادف للتصديق، وذكر فروقًا بين التصديق والإيمان تمنع دعوى الترادف بينهما، ثم خلص من ذلك إلى أن أولى تفسير لغوي للإيمان هو الإقرار. ويمكن أن نجمل الأمور التي ذكرها شيخ الإسلام في- دفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق في النقاط التالية: ا- أن لفظة آمن تختلف عن لفظة صدق من جهة التعدي، حيث إن آمن لا تتعدى إلا بحرف إما الباء أو اللام كما في قوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ ١، وقوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ٢. فيقال آمن به وآمن له، ولا يقال آمنه، بخلاف لفظة صدق فانه يصح تعديتها بنفسها فيقال صدقه. ٢- أنه ليس بينهما ترادف في المعنى، فإن الإيمان لا يستخدم إلا في الأمور التي يؤتمن فيها المخبر مثل الأمور الغيبية، لأنه مشتق من الأمن، أما الأمور المشاهدة المحسوسة فهذه لا يصلح أن يقال فيها آمن وإنما يقال صدق، لأن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة صدقت كما يقال كذبت، أما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب. ٣- أن لفظة إيمان في اللغة لا تقابل بالتكذيب، فإذا لم يصدق المخبر في خبره يقال كذبت، وإذا صدق يقال صدقت فيقال:

١ سورة العنكبوت، الآية: ٢٦. ٢ سورة البقرة، الآية: ٢٨٥.

1 / 18

صدقناه: أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر آمنا له أو كذبناه، ولا يقال أنت مؤمن له أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط. ٤- أن الإيمان في اللغة مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف، فآمن أي صار داخلًا في الأمن، فهو متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة كما يدل عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قال إخوة يوسف لأبيهم ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أي لا تقر بخبرنا ولا تثق به ولا تطمئن إليه ولو كنا صادقين، لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. أما التصديق فلا يتضمن شيئًا من ذلك. فهذه الأمور تدفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق، كما يظنه طائفة من الناس، وبناء عليها فالإيمان ليس هو التصديق فحسب، وإنما هو تصديق وأمن أو تصديق وطمأنينة، وهو متضمن للالتزام بالمؤمن به سواء كان خبرًا أو إنشاء، بخلاف لفظ التصديق المجرد، فمن أخبر غيره بخبر لا يتضمن طمأنينة إلى المخبر لا يقال فيه آمن له بخلاف الخبر الذي يتضمن طمأنينة إلى المخبر، والمخبر قد يتضمن خبره طاعة المستمع له وقد لا يتضمن إلا مجرد الطمأنينة إلى صدقه، فإذا تضمن طاعة المستمع لم يكن مؤمنًا للمخبر إلا بالتزام طاعته مع تصديقه، فإن صدقه دون التزام بطاعته، فهذا يسمى تصديقاَ ولا يسمى

1 / 19

إيمانًا١. ولهذا فإن اللفظ المطابق لآمن من جهة اللغة هو لفظ أقر، لتوافقه مع لفظ آمن في الأمور المتقدمة، فإن الإيمان مأخوذ من الأمن الذي هو الطمأنينة كما أن لفظ الإقرار مأخوذ من يقر، وهو قريب من آمن يؤمن، لكن الصادق يطمئن إلى خبره والكاذب بخلاف ذلك كما يقال الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، فالمؤمن دخل في الأمن كما أن المقر دخل في الإقرار، ولفظ الإقرار يتضمن الالتزام ثم إنه يكون على وجهين: أحدهما: الإخبار، وهو من هذا الوجه كلفظ التصديق والشهادة ونحوهما، وهذا الإقرار الذي يذكره الفقهاء في كتاب الإقرار. والثاني: إنشاء الالتزام كما في قوله تعالى: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ٢ وليس هو هنا بمعنى الخبر المجرد فإنه سبحانه قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ فهذا الالتزام للإيمان والنصر للرسول وكذلك لفظ الإيمان فيه إخبارٌ وإنشاءٌ والتزامٌ بخلاف لفظ التصديق المجرد٣. ولذا فالإيمان لغة هو الإقرار، لأن التصديق إنما يطابق الخبر فقط، وأما الإقرار فيطابق الخبر والأمر ولأن قر وآمن متقاربان، فالإيمان دخول

١ انظر الفتاوى (٧/ ٢٩٠- ٢٩٣) و(٧/ ٥٢٩- ٥٣٤) . ٢ سورة آل عمران، الآية:٨٠. ٣ انظر الفتاوى (٧/ ٥٣٠، ٥٣١) .

1 / 20

في الأمن، والإقرار دخول في القرار١. لهذه الأسباب ولغيرها رأى شيخ الإسلام ﵀ أن أصلح تعريف للإيمان من جهة اللغة هو الإقرار. قال ﵀: "ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد) ٢. وقال ﵀: " ... فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقرب من تفسيره بلفظ التصديق، مع أن بينهما فرقًا"٣. فالمختار إذا أن لفظة آمن لغة بمعنى أقر، والإيمان لغة هو الإقرار القلبي، وهذا الإقرار مشتمل على أمرين: ١- اعتقاد القلب وهو تصديقه بالأخبار. ٢- عمل القلب وهو إذعانه وانقياده للأوامر. هذا من جهة اللغة. أما شرعًا: فهو عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بيانه لعقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم التي اتفقوا عليها: "ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان،- وعمل القلب واللسان والجوارح٤.

١ انظر الفتاوى (٧/ ٦٣٧) . ٢ الفتاوى (٧/ ٦٣٨) . ٣ الفتاوى (٧/ ٢٩١) . ٤ العقيدة الواسطية لابن تيمية (ص ١٦١) بشرح الهراس.

1 / 21

فهذه خمسة أمور اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول القلب، وعمله، وقول اللسان، وعمله، وعمل الجوارح. والأدلة على دخول هذه الأمور في مسمى الإيمان كثيرة وفيرة وفيما يلي ذكر بعضها: أولًا: قول القلب، وهو تصديقه وإيقانه، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ ١ وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ ٢ وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ ٣ وقال تعالى في المرتابين الشاكين ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ٤. وفي حديث الشفاعة "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن شعيرة"٥، وغير ذلك من الأدلة. ثانيًا: قول اللسان وهو النطق بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بلوازمهما، قال الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى

١ سورة الزمر، الآيتان: ٣٣- ٣٤. ٢ سورة الأنعام، الآية: ٧٥. ٣ سورة الحجرات، الآية: ١٥. ٤ سورة آل عمران، الآية: ١٦٧. ٥ رواه البخاري (١٣/ ٤٧٣) ومسلم (١/ ١٧٧) .

1 / 22

وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ﴾ ٢، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٤، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ٥، وقال ﷺ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأنى رسول الله.. "٦ وما في معنى هذا من النصوص. ثالثًا: عمل القلب، وهو النية والإخلاص والمحبة والإنقياد والإقبال على الله ﷿ والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ ٧ وقال: ﴿مَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾ ٨، وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ٩،

١ سورة البقرة، الآية: ١٣٦. ٢ سورة القصص، الآية: ٥٣. ٣ سورة الشورى، الآية: ١٥. ٤ سورة الزخرف، الآية: ٨٦. ٥ سورة الاحقاف، الآية: ١٣. ٦ رواه البخاري (الفتح ١/ ٧٥) ومسلم (١/ ٥٣) . ٧ سورة الأنعام، الآية: ٥٢. ٨ سورة الليل، الآية: ٢٠. ٩ سورة الأنفال، الآية: ٢.

1 / 23

وقال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ ١، وغير ذلك من النصوص الدالة على وجوب التوكل والخوف والرجاء والخشية والخضوع والإنابة وغير ذلك من أعمال القلوب، وهي كثيرة جدًا في الكتاب والسنة. رابعًا: عمل اللسان، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ ٢، وقال: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ ٣، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ ٤. وقال: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٥. وغير ذلك من نصوص الشرع الدالة على أعمال اللسان والطاعات التي تؤدى به. خامسًا: عمل الجوارح، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها مثل القيام والركوع والسجود والمشي في مرضاة الله كنقل الخطا إلى المساجد وإلى الحج والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح، قال الله

١ سورة المؤمنون، الآية: ٦٠. ٢ سورة فاطر، الآية: ٢٩. ٣ سورة الكهف، الآية: ٢٧. ٤ سورة الأحزاب، الآية: ٤١. ٥ سورة المزمل، الآية: ٢٠.

1 / 24

تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ ٢، وقال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ ٣، والنصوص في هذا كثيرة جدًا٤. قال محمد بن حسين الآجري في باب "القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمنًا إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث "قال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح. ثم اعلموا أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقًا، ولا تجزىء معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنًا، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين.."٥. ثم ساق من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية ما يدل على ذلك ويؤيده.

١ سورة البقرة، الآية: ٢٣٨. ٢ سورة الحج، الآيتان: ٧٧- ٧٨. ٣ سورة الفرقان، الآيتان: ٦٣- ٦٤. ٤ انظر معارج القبول للشيخ حافظ حكمي (٢/١٧ وما بعدها) . ٥ الشريعة للآجري (ص١١٩) وانظر شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي (٤/ ٨٣٢) .

1 / 25