ضحك معها، لكنها كفت عن الضحك بعد لحظة، وأدركت أن فرحتها ليست حقيقية، وأن الجبل لا يتحرك، وأنه ثابت، جامد، والأرض والحائط والنافذة والكنبة وكل شيء من حولها ثابت جامد، إلا هذان العقربان فوق معصمها بحركتهما البليدة البطيئة الرتيبة، تذكرها أن الزمن يمضي ولا يعود، وأن لحظات حياتها تسقط في العدم، وتأتي من العدم، وأن لا شيء يبقى سوى تلك الذبذبة العبثية لعقربين من المعدن داخل علبة معدنية صغيرة بحجم القرش لها غطاء زجاجي.
قالت بصوت حزين: سليم.
قال: نعم يا بهية.
قالت: لا أريد أن أعود إلى البيت.
قال: لا تعودي.
قالت: ولكن ...
قال: ولكن ماذا؟
قالت: أبي وأمي والكلية والناس و...
قال: وبهية شاهين.
أحست بقطرات العرق في كفها وتحت إبطيها، وبشرتها أصبحت شاحبة كبشرة بهية شاهين، وعيناها أقل سوادا، وأنفها أقل ارتفاعا، وحاولت أن ترفع رأسها وتجعل عينيها سوداوين كما كانتا وأنفها مرتفعا حادا يشق الكون نصفين تسير بينهما إلى الأمام بغير تردد، ولا خوف، وتصل إلى النهاية، نهاية النهاية. لكن بهية شاهين كانت قد عادت إليها. كيف عادت؟ لم تعرف. وفجأة وبغير أن تدري نهضت، وأمسكت حقيبتها الجلدية المنتفخة وسارت نحو الباب. •••
نامعلوم صفحہ