امرأة من کمبو کدیس
امرأة من كمبو كديس
اصناف
خرجت الصرخة من عمق سحيق وكأنها آتية من خلف قرن من الزمان، جلسنا نحكي لبعضنا عن بعضنا والأشياء، وقلت لها: عندما قالت لي اهرب، كنت أظن أن جدي الحاج عندلة قتل شخصا ما أو أنه مطلوب في ثأر، وأنني إذا لم أهرب لثأروا مني، سخرت مني ضاحكة في غنج جميل قائلة، وكنت أرى قربتي لبنها تهتزان في الظلام: نحنا هنا ما عندنا تار.
ثم حكت لي كيف توحش نفر من رجال القرية، وأصبحوا من أكلة البشر، بالرغم من أنهم كانوا من خيرة سكان القرية: جاءت مفرزة من جيش الحكومة واختارتهم للتدريب، واختفوا لما يقارب الثلاثة أعوام، وعندما عادوا، جاءوا وهم كلما جن الليل عووا، إلا أنهم حتى الآن لم يأكلوا أحدا في القرية، ولو أنهم قتلوا رجلا غريبا قبل شهر إلا أن ناس القرية حالو بينهم وبين أكله؛ حيث حفرت له مقبرة ودفن فيها، ولم نستطع أن نبلغ الحكومة، فنحن أسرة واحدة، وهم من كل بيت، وإذا عرفت الحكومة ستقوم بإعدامهم، والناس يسعون لعلاجهم، فالآن بالخلوة يجلس عشرة من رجال القرآن والفقهاء وهم يصلون الليل بالنهار، إن شاء الله سيشفون عما قريب، هنا الناس لا يثقون في الحكومة ويظنون أنها لا تعرف كيف تتعامل مع المشاكل، وأنهم سيعالجون إشكالاتهم بأنفسهم وطرقهم الخاصة.
شيء غريب، يكون حصل ليهم شنو يا ربي!
الناس قاعدين يقولوا إنهم انقطعوا في منطقة مستنقعات، سنة كاملة، لا زول جاهم ولا أرسلوا ليهم أكل ولا جاهم جيش لينقذهم، كانت المليشيات محاصراهم من كل الجهات حتى السماء ذاتو، يسوا شنو.
حدثتني بأنهم، أكلوا القش والطين، أكلوا ثعابين الماء، الجرذان، أكلوا الصراصير والعنكبوت، أكلوا الذباب والباعوض، أكلوا الهواء والدود الأسود اللزج، ثم أكلوا بعضهم البعض، قالت: الأقوياء أكلوا الضعفاء، واحنا ناسنا؛ لأنهم من بلد واحدة اتحالفوا مع بعضهم وأكلوا البقية ... المهم كلها قوالات وما في زول يعرف الحصل ليهم شنو، والغريب في الموضوع أنهم اكتشفوا بعد سنة كاملة من الخوف والجوع وأكل لحوم الزملاء إنو المحاصرنهم ما كانوا المليشيات لأ، كان جيشهم نفسه، زملاؤهم ذاتهم؛ لأنهم قايلنهم مليشيات، شوف كل زول خايف من التاني وقايلو العدو، سنة كاملة اتخيل، سنة كاملة، الحرب دي بلوة من الله وابتلانا بها، وبدون شعور قلت: ما تبلغوا الحكومة.
قالت منفعلة: حكومة شنو وهي ذاتها الحكومة وين؟
وأكدت لي أنهم لا يرون الحكومة إلا في الطيارات التي تعبر في السماء فوقهم، أو عندما جاءوا وأخذوا فتيان القرية للحرب أو عندما جاءوا هم وجاءت المليشيات وتحاربوا هناك عند الربوة العالية وغابة النبق، أسبوعا كاملا، فتطاعنوا، هشموا عظام بعضهم البعض، دفقوا دماءهم وصنعوا منها أنهارا، أنهارا حمراء، ثقبوا صدور بعضهم البعض بالرصاص الحار، هشموا رءوسا، قطعوا آذانا، مثلوا، عقروا، سملوا، بالوا، عذبوا، قبضوا أرواح بعضهم البعض وأرسلوها إلى الله، ولم يبق سوى جندي واحد هزيل جريح بعين واحدة من الجيش، ولم يبق سوى جندي واحد هزيل جريح برجل واحدة من المليشيات.
فدق أهل القرية النقارة، رقصوا على التل، على جثث الجند، وآلاتهم الحربية، ضحكوا على الجميع، أشعلوا النار على الأجساد المتقيحة المتحللة العفنة البائسة، ثم أتوا بالجريحين، أرقدوهما على الأرض جنبا إلى جنب، ثم جاءوا بالعصي الكبيرة المصنوعة من القنا وانهالوا عليهما ضربا حتى الموت، ثم قاموا بدفنهما في قبر واحد ضيق، وهم ينشدون إنشادا مرتجلا ألف في وقته في ذات موقع التل، شربوا ما بقي من مريسة، وعادوا إلى منازلهم، لقد انتهت الحرب، ولم نر منذ ذلك اليوم أحدا من المليشيات أو الجيش، نحن هنا عايشين على الصيد والزراعة، ونحل مشاكلنا بطريقتنا الخاصة ولسنا في حاجة للحكومة، ثم سألتني ببراءة: أنت من الحكومة؟!
قلت نافيا بشدة: إنني لست من الحكومة وإنني جئت أبحث عن أخ تاه في هذه الأماكن منذ شهور مضت، كان يعمل بتهريب جلود الحيوانات البرية بعد أن يشتريها من الصيادين، وقلت لها بصراحة أيضا: ويهرب البنقو.
فقالت لي وكأنها لم تسمع ما قلت: أنت تاجر بنقو مش كدا؟ - قلت لك أخي، أخي يتاجر في جلود الحيوانات البرية النادرة والبنقو.
نامعلوم صفحہ