امرأة من کمبو کدیس
امرأة من كمبو كديس
اصناف
وهنا فجأة سمعت صوتا يأتي من داخل ظلامات القطية قويا وحادا. - ده منو الضيف القال هو ولد الحاج عندلة ده؟ تعال لي جوا هنا، تعال جوا هنا.
وتبع ذلك جلبة شيء يصطدم بشيء، وشيء يقع على شيء، شيئان يسقطان على الأرض يصدران رنينا يطول، ثم حشرجة حنجرة يابسة قديمة صدئة ثم شحذ سكين على خشب جاف، وأصوات أخرى. - تعال جوا هنا.
وفي ذات اللحظة التي نهضت فيها للذهاب إلى الداخل، أمسكت الفتاة بيدي وجذبتني إلى خارج الراكوبة، قالت جملة واحدة قوية: اهرب ... اقطع البحر، ولو ما قطعت البحر: حتموت.
ولا أدري كيف قفزت على الشوك الذي ما كنت أراه، ودرت دورتين حول نفسي، كنت خلالهما أبحث عن الاتجاه الذي يجب علي أن أجري نحوه، تجاه النهر، ولكن حينما صاح الصوت مصدرا عواء وكأنه ذئب جائع منذ ألف عام، جريت دون أن أفكر، ثم سمعت عواء مشابها من جهات أخرى، ثم عواء مشابها ثم عواء آخر؛ خمس أصوات ذئبية تنطلق من خمس بقع في الظلام، ثم نبحت كلاب الحلة مذعورة، ثم أخذ ضوء البطاريات ينطلق من هنا وهنالك شارخا الظلام، صراخ نسوة، صياح أطفال صحوا مذعورين على العواء المرعب، صوت أقدام مهرولة؛ بل دوي طلق ناري شاقا الفضاء، مما شل ما تبقى لدي من تفكير، وجدت نفسي الآن على حافة النهر، ويقترب العواء مني أكثر، حيث تجمع - على ما أظن - الخمسة وأصبحوا مجموعة واحدة منطلقة خلفي، لم أفهم شيئا إلى تلك اللحظة، لا أعرف غير أنه يجب علي أن أهرب وأعبر النهر حتى لا أموت، سقطت على مياه النهر مباشرة، وكنت ممسكا بحقيبتي بشكل جيد وتام، وعندما انتبهت لخطأ المغامرة، خرجت من الماء، نزعت نعلي وأودعتهما حقيبتي، كذلك منطلون الجينز والقميص، وأصبحت عاريا إلا من لباس داخلي قصير، ثم وضعت حقيبتي الصغيرة على ظهري، وحمالتاها تدوران حول إبطي وسبحت، كان ماء النهر باردا وثقيلا، وعندما كنت على الشط الآخر، وصلوا الشط الأول ، أضاءوا نحوي بطارياتهم، ثم صاح واحد منهم بصوت أجش حامض، وكأنه نهيق حمار: هناك حتاكلك كلاب السمع، أخير تعال هنا نأكلك نحنا.
ثم علا ضحكهم ثم رطنوا، ثم ضحكوا مرة أخرى، ثم قال لي آخر مناديا، بينما كنت أنا أهرب مختفيا في الغابة الكثيفة: بكرة نعرف خبرك، دخلت الغابة الملعونة براك برجليك، ضحكوا، عووا، صاحوا في رعب، ضحكوا، ثم أكدوا بصوت واحد، أنني لن أنجو من كلاب السمع، واختفوا تماما وتلاشت أصواتهم تدريجيا.
لم أتوغل في الغابة؛ لأنهم قالوا إنها الغابة الملعونة، وورد ذكر كلاب السمع الشرسة، والتي أعرفها وأخاف منها بشكل جيد، وهي لا تستغرق عندها وليمة من ثور الجاموس غير خمس دقائق، يختفي عن الوجود، ولن تبقى من دمائه ولا قطرة واحدة، فقط هيكله العظمى كشاهد على الوليمة، صعدت شجرة وجلست على فرع منها، لا يبتعد عن الأرض كثيرا، سوف لا أنام وعندما تشرق الشمس غدا ... ربنا كريم. يبدو أنني نعست؛ لأنني أخذت أسمع صوتها يناديني، عميقا دافئا قرويا حنينا ولا مبال، وسمعت خطوات تتعثر ولكنها تقترب في ثبات. - ولد الحاج عندلة، ولد الحاج عندلة، ولد الحا ...
نعم هي ذاتها، والغريب في الأمر أنني لم أخف منها؛ بل صحت مباشرة بأنني هنا على فرع الشجرة، واقتربت، لم أستطع أن أتبين ملامح وجهها ولكنها بلا شك كانت جميلة، إن الصوت دائما كما يقول صديقي - أبو ذر - دالة في الوجه، كانت تحمل بخسة من لبن البقر مخلوطا بالسمن، وأنا أحب اللبن وأحب السمن أيضا وأحب البنات طبعا أكثر: أن أنجو.
طلبت مني أولا أن نغادر هذه الغابة الملعونة، والتي هي أخطر من الرجال الذئاب، فهي مسكونة بالشياطين وكلاب السمع، ولا يجرؤ أحد من القرية دخولها ليلا، وأنها لولاي لما فعلت، فحملت حاجياتي، عبرنا النهر، عبر بقايا الكبرى المتهالك ومشينا قليلا على ضفة النهر الغربية، ثم أشارت إلى طريق أضاءت جزءا منها بالبطارية، وقالت لي: إنها تقودني إلى قرية آمنة.
جلسنا تحت شجرة، أخذت من بين كفيها قرعة اللبن الدافئ المسمن ، وفي شفطتين طويلتين أتيت على كل محتويات الماعون، وأخذت أتنفس بصورة متسارعة وألحس شاربي بلساني، متصيدا بقايا اللبن عليه، مستفيدا من أنها لا تستطيع أن ترى ذلك في الظلام، كنت جائعا جدا، ثم أخذت أرتجف بصورة مرعبة، لا أدري لماذا أرتجف؛ خوفا، شبعا، أم باللبن شيء ما سوف يفقدني الوعي وأصبح فريسة ساهلة لهؤلاء المتوحشين؟ لا، لا ... أنا أثق في المرأة؛ لأنني أحب النساء وكنت أعرف بيني وبين نفسي أنه يستحيل أن تلحق امرأة بي ضررا ولو يسيرا؛ لأن لدى النساء مسبار سري مسحور يعرفن به من هو عدوهن ومن هو العاشق، كما أنني استبعدت فكرة أن تتآمر هذه البنت علي؛ لأنها هي التي أنقذتني، قلت لها بصوت مرتجف: أنا أشعر بالبرد ... أشعر بالبرد والحمى.
فتحسست معصمي، ثم وضعت كفا على خدي، كما لو أنها تقيس درجة حرارته، ثم قالت: أنت بردان؛ لأنك عمت في البحر، أنت ما عارف الكبري الجينا بيهو قبل شوية؟ - والله ما كنت عارفو، فقط سمعت به مجرد سمع.
نامعلوم صفحہ