امرأة من کمبو کدیس
امرأة من كمبو كديس
اصناف
بدأت أفكر في الموضوع بصورة قاسية بعد أن تحرك الباص مباشرة متجها نحو الخرطوم، الأفكار المظلمة تنتابني بين لحظة وأخرى لدرجة أنني تمنيت أن أجدها قد توفيت ولو في حادث سير. كنت لا أعرف كيف تلتقي أعيننا بعد أن حدث منها ما حدث، هل سينتابني ذلك الشعور الحلو الذي دائما ما يسيطر علي وأنا أراها وهي تكبر يوما بيوم وتزداد عقلا وخبرة في الحياة وجمالا، ويتجلى وجهها الأسود الحلو الناعم براءة؟
كنت حينها أحس كما لو أن كل خلية في جسدي تتجدد وأنني أكثر طمأنينة وأقرب للحياة مني إلى الموت، بالرغم من تقدم العمر وأمراضه الكثيرة، وأكثر ما يعذبني فكرة أنها خانتني، خانتني أنا بالذات، ولكني أيضا أفكر في الأمر من جانب آخر، من جانبي أنا؛ لأنني ما كنت أنظر لعلوية كامرأة أبدا، يبدو أنني أضعها في مكانة رجل ما فوق الأربعين كامل النضج ومستقيم السلوك، أما أن تذهب علوية مع رجل غريب إلى خلوة وأن يغويها أو يلمسها مجرد لمس، بكامل رضاها ودون أن تحس ولو بعقدة الذنب أو خيانة الثقة التي أعطيتها إياها ... وأن ... لا ... أمر لا أصدقه!
كيف يتسنى لعلوية ابنتي أنا، التي أنشأتها منشأ سليما وربيتها من مال حلال اكتسبته بعرق جبيني وأودعت من أجلها مالا في البنك تسحب منه لمصروفها كما شاءت، أن تتزوج زواجا عرفيا، أكون أنا آخر من يعلم، كل القرية تعرف ذلك، جميعهم، جميعهم إلا أنا! لماذا تجعلني صغيرا تافها أمام الناس وأنا ما يملأ عيني تراب الدنيا كلها؟ كيف تنظر إلي؟ ماذا تقول؟ هل تنكر ذلك؟ أتبكي؟ ربما.
هي نفسها ضحية لذئب لا يرحم، لقد قرأت كثيرا في الجرائد عن زواج الطالبات العرفي، ولكني أحلته إلى أسباب مادية، إطلاقا لم أفكر لحظة في علوية، أن تكون علوية واحدة من هؤلاء البنات المطلوقات - كما كنت أسميهن، وما زلت - البنات اللائي عجزت أسرهن في توفير مصروفهن أو تربيتهن تربية كريمة تكسبهن العفة أو ربطهن في البيوت.
لم أستشر أحدا في كيف أتصرف، لقد وضعت سنوات خبرتي الطويلة في العمل المدني والعسكري وتجاربي الحياتية ومخزوني المعرفي موضع التحدي، فإذا لم أتمكن من عبور هذه المحنة وحدي بكل هذه المكتسبات فلا فائدة من الحياة التي عشتها.
هذا التشجيع للنفس لم يمنع الضعف والانكسار الذي أحس به الآن والخوف، نعم الخوف الحقيقي من أنني أقوم بفعل قد يحسب ضدي؛ بل قد يسيء إلي وإلى أسرتي وآخرين غيري، في الحقيقة كنت مرتبكا عكس ما أبدو عليه في الظاهر، بحثت في جيوبي وجدت أنني أخذت ربطة من المال عشوائيا تحتوي على خمسمائة ألف جنيه سوداني، حسبتها مرتين، انقطعت دائرة البلاستيك التي تحيط بها، أدخلت المبلغ كله في الشنطة محتفظا برباط البلاستيك المقطوع.
اصطدمت أصابعي بشيء صلب بالداخل، إنها السكينة الكبيرة، دخلت الشنطة نتيجة للاستعجال أو الإحساس الداخلي بأنني قد أحتاج إليها، أو ربما دسها لي شخص فكر في الأمر بطريقة مختلفة، أخذت ألهي نفسي بلعبة قديمة كنا نلعبها في طفولتنا مستخدما رباط النقود المقطوع، كنت في حاجة لأي فعل يلهيني عن التفكير في علوية، عندما أجدها سأفكر في الحلول في ساعتها، لا أحب أن يملي علي أحد رأيه حتى ولو كان أخوها.
في المقعد المجاور امرأة أربعينية غير متزوجة، طوال الطريق تقرأ مجلة حواء، يفوح منها عطر قوي، تسرق النظرات إلى لعبتي من وقت لآخر، وكنت أهتم بها، ولكنني أخفي ذلك بصورة جيدة، كما أنني لا أحب التحدث والونسات أثناء السفر؛ لأن السفر فرصة جيدة لكي أخلو إلى نفسي دون أن يزعجني أحد، قد أنام، النوم أيضا لا يتوافر في حياة سريعة ملآنة بالكد والجري وراء الرزق، ولكن من أجل من؟ - بتكلم معاي. - منو؟ أنا آسف، رأسي ملآن بالمشاغل وظاهر علي قاعد أكلم نفسي، معليش، أزعجتك.
قالت وهي تلم ثوبا أنيقا إلى جسدها: ولا يهمك؛ الناس كلها مشغولة.
حاولت النوم حتى لا أتكلم مثل المجنون، وضعت رأسي على المقعد الأمامي، أغمضت عيني، أخذت أفكر: أين تكون علوية الآن، في أي وضع؟ في النوم نزلت علي ملائكة الأسئلة بجواب خطير. •••
نامعلوم صفحہ