Impact of Heart Work on the Worship of Prayer
اثر عمل القلب على عبادة الصلاة
اصناف
المقدمة
إن الحمدَ لله، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضْلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
أما بعد:
فإن لعمل القلب أثره الكبير على العبادات، فإذا حقق العبد عمل القلب، وجاهد نفسه لإصلاح ما في قلبه من أمراض، واستعان بالله على ذلك، وصدق وأخلص، فإن الله وعد بإعانته، كما قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت: ٦٩.
1 / 2
وإذا وفق الله العبد لذلك ظهر أثره على عبادته: إقامة لها مع الاتقان، وإخلاصًا فيها، وحرصًا على الاهتداء بالهدي النبوي في أدائها، وظهر أثر ذلك أيضًا على إقبال القلب وحسن حضوره عند أداء العبادة مع الخشوع والخضوع لله.
وسأذكر -إن شاء الله تعالى- سلسلة بعنوان: (أثر عمل القلب على العبادات) وأركز في أول هذه السلسلة على الصلاة، ونسأل الله العظيم أن يرزقنا الإخلاص والصدق والتوفيق والإعانة في هذا العمل، وأن يتفضل علينا بالقبول، وأن يوفقنا للخشوع في صلاتنا، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وستكون بإذن الله محاور هذا الموضوع وفق العناصر الآتية:
المبحث الأول: ملخص في إثبات أثر عمل القلب، وأهميته، وفيه مطالب.
المطلب الأول: من أدلة الكتاب والسنة في إثبات أثر عمل القلب.
المطلب الثاني: أهمية عمل القلب.
المطلب الثالث: الآثار العامة لعمل القلب على العبادات.
المطلب الرابع: أسباب تخصيص الصلاة بالذكر قبل بقية العبادات
المبحث الثاني: نماذج لبعض أعمال القلوب المتعلقة بالخشوع في الصلاة، وفيه تمهيد ومطالب.
التمهيد: الارتباط الوثيق بين عمل القلب وأثره على الخشوع في الصلاة.
المطلب الأول: الإخلاص.
المطلب الثاني: اليقين.
المطلب الثالث: الصبر.
المطلب الرابع: المحبة.
المطلب الخامس: الخوف والخشية.
المطلب السادس: الرجاء.
1 / 3
المطلب السابع: أثر هذه الأعمال القلبية على عبادة الخشوع في الصلاة، وفيه عدة مسائل:
المسألة الأولى: إذا أحب العبد ربه أحب أن يلتقي به في كل وقت.
المسألة الثانية: إذا حقق العبد في قلبه محبة الله أثمر له ذلك محبة القرب منه.
المسألة الثالثة: إذا حقق العبد في قلبه محبة الله أثمر ذلك حياؤه من الله أن ينصرف بوجهه وقلبه عنه في صلاته.
المسألة الرابعة: الشعور بمناجاته لله وأنه مطلع عليه عالم بسره وجهره يسمعه ويراه.
المبحث الثالث: من آثار عمل القلب على صلاة العبد، وفيه مطالب
المطلب الأول: وجود لذة عبادة الصلاة وحلاوتها، وطمأنينة القلب بها.
المطلب الثاني: أن يعلم بقلبه ما يقوله بلسانه، ويفهمه ويتدبره.
المطلب الثالث: أثر حضور القلب على تدبر سورة الفاتحة في الصلاة من الإمام والمأموم.
المطلب الرابع: تدبر القلب -من الإمام والمأموم- للآيات والسور التي تقرأ في الصلاة عقب الفاتحة.
المطلب الخامس: أثر عمل القلب على عبادة الركوع، وفيه مسائل.
المسألة الأولى: الركوع من أعظم أركان الصلاة.
المسألة الثانية: تعظيم الرب في الركوع:
المسألة الثالثة: من أذكار الركوع:
المسألة الرابعة: أثر عمل القلب على ما يقوله في الرفع من الركوع.
المسألة الخامسة: أثر عمل القلب في عبادة الركوع:
المطلب السادس: أثر عمل القلب على عبادة السجود، وفيه مسائل.
المسألة الأولى: السجود أعظم موقف يقرب فيه العبد من ربه:
المسألة الثانية: من أذكار السجود:
المسألة الثالثة: أثر عمل القلب في عبادة السجود:
1 / 4
المطلب السابع: عمل القلب وأثره على طمأنينة العبد في صلاته، وفيه توطئة ومسائل.
المسألة الأولى: معنى الطمأنينة:
المسألة الثانية: الحكمة من الطمأنينة:
المسألة الثالثة: الأدلة على أن الطمأنينة ركن في جميع الصلاة، وخطورة التساهل فيها:
المطلب الثامن: أثر عمل القلب على التشهد وجلسته، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: جلسة التشهد ولفظ التشهد الأول، والثاني.
المسألة الثانية: أدعية ما قبل التسليم:
المسألة الثالثة: أثر عمل القلب في عبادة التشهد، ويتلخص ذلك في الأمور الآتية:
أولًا: ينبغي أن نستصحب المجاهدة لحضور القلب وفهمه لما يقوله المؤمن في صلاته، وعدم الغفلة عن ذلك مع الاستمرار وعدم الانقطاع:
ثانيًا: أن يتدبر ويفهم ويفقه معنى التشهد، فيقوله بلسانه وقلبه يدرك معنى ما يقول.
ثالثًا: أن يدرك معاني الصلاة الإبراهيمية:
رابعًا: يتذكر بقلبه حين يقول في تشهده: الصلاة الإبراهيمية أمورًا، منها:
الأول: امتثال قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب: ٥٦.
الثاني: فضل الصلاة على النبي ﷺ.
خامسًا: أن يستحضر قلبه معاني الاستعاذة من هذه الأربع.
المطلب التاسع: حضور القلب عند التسليم من الصلاة، وأذكار ما بعد السلام، وفيه مسائل.
المسألة الأولى: التسليم.
المسألة الثانية: أذكار ما بعد السلام مع ذكر أثر حضور القلب على ذلك.
1 / 5
تنبيهات مهمة:
١ - لم أذكر المراجع في نهاية الكتاب لأن المراجع التي رجعت اليها ونسختُ منها هي المكتبة الشاملة بإصدارها الجديد على موقعها على الشبكة، فلست أرى أن هناك حاجة لذكر المراجع، وقد ذكرتها في الهوامش، ومن أراد التأكد فليرجع إلى المكتبة الشاملة:https://www.shamela.ws
٢ - أرى لزامًا على القارئ الكريم أن يقف وقفات تامل مع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وألا يستعجل عند قراءتها، فإن الأثر والبركة في نفع القارئ والسامع مرتبطة بها، وأما كلام البشر فليس فيه شيء من ذلك إلا بقدر ارتباطه بهذه النصوص مع سلامة المقصد.
٣ - ربما الكثير من الآيات التي أوردتها لم أعلق عليها بذكر أقوال المفسرين إلا في بعض الأحيان القليلة، لأنه في ظني أن الآيات واضحة بينة المعنى في المقصود منها، وهي من آيات المحكم الواضح البين الدلالة.
٤ - وحين يكتب الكاتب في مثل هذه القضايا الدقيقة والشائكة، فذلك يكون من باب معالجة الغير وهو عليل، لا تعفيه علته من معالجة غيره، مع السعي في معالجة نفسه، والله الذي بيده الشفاء.
٥ - لم أتعرض بشكل مفصل عن كل ما يتعلق بالصلاة من ناحية صفتها، لأنه ولله الحمد قد كتب في ذلك الكثير المطول والقصير، ومن أعظم ما كتب في ذلك وهو ورقات قلائل يسهل الاطلاع عليها ما كتبه الشيخ ابن باز، وكذلك الشيخ ابن عثيمين.
ومن المطولات كتاب الشيخ الألباني رحمة الله على الجميع.
٦ - أوردت الكثير من الأدعية في الركوع والسجود وقبل السلام، وهذه لا يتسع ذكرها في الفرائض بل مجالها في النوافل ولها أثر كبير على الخشوع.
1 / 6
المبحث الأول: ملخص في إثبات أثر عمل القلب، وأهميته، وفيه مطالب.
المطلب الأول: من أدلة الكتاب والسنة في إثبات أثر عمل القلب.
المطلب الثاني: أهمية عمل القلب.
المطلب الثالث: الآثار العامة لعمل القلب على العبادات.
المطلب الرابع: أسباب تخصيص الصلاة بالذكر قبل بقية العبادات
1 / 7
المبحث الأول: ملخص في إثبات أثر عمل القلب، وأهميته، وفيه مطالب
المطلب الأول: من أدلة الكتاب والسنة في إثبات أثر عمل القلب
لقد اعتنى القرآن العظيم والسنة الشريفة بمسألة عمل القلب وأثره اعتناء كبيرًا، فقد جاءت آيات كثيرة في إثبات أثر عمل القلب وتأثره بما يعمل صاحبه، فقد ذكر الله ﷾ أن قلوب المؤمنين يصيبها الوجل، وتطمئن بذكره، وأنها تخشع وتخضع لأمره، وغير ذلك كثير، وإذا تقرر هذا في حق المؤمنين، فإن القرآن الكريم قد ذكر في مقابل ذلك حال الكفار والمنافقين وتأثر قلوبهم بما يعملون، وذكر ﷾ كذلك أثر أمراض قلوبهم عليهم؛ من الختم والطبع، وما أصابها من مرض النفاق، والزيغ عن الحق، والقسوة … وقد جاءت آيات كثيرة في بيان ذلك. وكذلك جاءت أحاديث كثيرة تثبت أثر عمل القلب، ودونك ملخص لإثبات ذلك:
أولًا: أمثلة على إثبات أثر عمل القلب على المؤمن مع ذكر شواهدها من القرآن العظيم.
١ - وجل القلب وخوفه من الله، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الآية [الأنفال: ٢]. وفيها إثبات أثر ذكر الله على القلب بحصول الوَجَل، ومعناه: الخوف من الله (^١)، ولا شك أن الذكر لا يحدث أثره في حصول وجل القلب من الله تعالى إلا إذا تواطأ القلب مع الحواس.
٢ - طمأنينة القلب، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]، دلت الآية على أثر ذكر الله على قلب المؤمن، فهو يأنس ويطيب ويسكن بذكر الله تعالى (^٢).
_________
(^١) ينظر: تفسير ابن كثير (٥/ ٤٢٥).
(^٢) ينظر: تفسير الطبري (١٦/ ٤٣٢).
1 / 8
ثانيًا: أمثلة على إثبات أثر مرض القلب على صاحبه وردت في آيات الكتاب العزيز.
١ - عقوبة الله لأصحاب القلوب التي كفرت بالله بالختم عليها، وزيغ القلوب عن الحق، فقال تعالى عنهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٦، ٧].
قال البغوي ﵀ في تفسيره لمعنى الختم على القلوب: "فقال: ﴿خَتَمَ اللَّهُ﴾: طبع الله ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ فلا تعي خيرًا ولا تفهمه" (^١).
وهذا الختم على القلوب عقوبة لهم بسبب منهم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥].
ومن آثار مرض النفاق على القلوب تقييدها عن الخير بما يحدث لها من التردد والتذبذب والشك والحيرة والكسل عن الطاعات وكرهها، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥]. والريب هو الشك، وهو من أثر أمراض النفاق على القلوب، فيتولد منه أثره على القلب بالتردد والتذبذب والكسل عن الطاعة وكرهها، فقال تعالى في بيان أثر النفاق على القلب: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ
_________
(^١) تفسير البغوي (١/ ٦٤ - ٦٥).
1 / 9
٣ - قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢، ١٤٣].
وقال تعالى عن المنافقين: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: ٥٤].
٤ - وقال تعالى في بيان أثر مرض النفاق على القلب وأن الله ﷾ لا يمكِّن صاحبه من العمل، بل يقعده عنه عقوبةً له على ما في قلبه من مرض: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة: ٤٦].
وإذا وجد العبد أنه يثبَّط عن الطاعات، ويحال بينه وبينها، فليفتِّش عن مرض في قلبه.
٥ - أثر الذنوب على القلب في تغطيته وحجبه عن رؤية الحق، كما في قول الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطفِّفين: ١٤].
أثبت الله تعالى أن الذنوب تغطي على القلوب، فتحجبها عن رؤية الحق فلا تقبله.
1 / 10
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ (^١) فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ (^٢) قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطفِّفين: ١٤]» (^٣).
فإذا غطت الذنوب القلب عمي عن رؤية الحق وانطمست بصيرته، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦].
ثالثًا: وقد ورد في السنة ما يبين مكانة عمل القلب وأثره على صاحبه، ودونك إشارة لذلك:
١ - أثر عمل القلب على صلاح الجسد أو فساده، ويدل عليه ما رواه النعمان بن بشير ﵁ قال: قال ﷺ: «.. أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ
_________
(^١) أي نُقِطَ نقطة في قلبه.
ينظر: الصحاح (١/ ٢٦٩)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ١١٤) لابن الأثير، مادة (نكت).
(^٢) وفي أكثر روايات الحديث: "صُقِلَ" بالصاد، والسقل والصقل بمعنى واحد، أي: جلاه ونظفه وصفاه وذهب عنه أثر الذنب.
ينظر: الصحاح (٥/ ١٧٤٤) مادة (صقل)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٤/ ١٦٢٢)، تحفة الأحوذي (٩/ ١٧٨) للمباركفوري، دار الكتب العلمية بيروت.
(^٣) أخرجه أحمد (١٣/ ٣٣٣) ح (٧٩٥٢)، والترمذي واللفظ له (٥/ ٤٣٤) ح (٣٣٣٤) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (٢/ ١٤١٨) ح (٤٢٤٤)، وابن حبان في صحيحه (٣/ ٢١٠) ح (٩٣٠)، الحاكم في مستدركه (٢/ ٥٦٢) ح (٣٩٠٨) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٢٧١) ح (١٦٢٠)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند (١٣/ ٣٣٤) ح (٧٩٥٢): "إسناده قوي".
1 / 11
٢ - كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» (^١).
وفي الحديث إشارة -كما يقول ابن رجب ﵀: "إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه المحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإذا كان قلبه سليمًا، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقٍ للشبهات حذرًا من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلب فاسدًا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب" (^٢).
٣ - ارتباط التقوى بعمل القلب، يقول ﷺ: «التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .. الحديث (^٣).
وذكر النووي في شرحه للحديث أن التقوى إنما تحصل بما في القلب من الأعمال، فيقول ﵀: "إن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته" (^٤).
٤ - في بيان أثر مرض الكبر على القلب، فعن عبد الله بن مسعود ﵁: قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً! قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (^٥).
_________
(^١) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٧) ح (٢٥٦٤).
(^٢) جامع العلوم والحكم لابن رجب (١/ ٢١٠).
(^٣) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٦) ح (٢٥٦٤).
(^٤) شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٢١).
(^٥) أخرجه مسلم (١/ ٩٣) ح (٩١).
1 / 12
وفي الحديث دليل على أثر آفة الكبر على من تلبس بها، وهو من أخطر أمراض القلوب، ومن أعظم ما يصد القلوب عن الهدى.
1 / 13
المطلب الثاني: أهمية عمل القلب
وتتضح الدلالة على أهمية عمل القلب من خلال الأمور الآتية:
أولًا: كثرة ذكرها في القرآن العظيم، وقد تقدمت إشارة إلى ذلك.
ثانيًا: ويكفي في الدلالة على عظيم مكانة عمل القلب في السنة ماورد في الحديثين الآتيين:
١ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» (^١)، فالقلوب وأعمالها هي محل نظر الرب ﷾.
٢ - وقال ﷺ: «.. أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ»، فصلاح الجوارح مرتبط بصلاح القلب، وهذا له أثره الكبير على خشوع المؤمن في صلاته.
ثالثًا: تحدث ابن القيم عن أهمية عمل القلب، فقال ﵀: "فعمل القلب هو روح العبودية ولبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح … ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما؟! وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه؟! وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت؛ ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان" (^٢).
_________
(^١) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٧) ح (٢٥٦٤).
(^٢) بدائع الفوائد (٣/ ١٩٢ - ١٩٣).
1 / 14
وأعمال القلوب هي الأصل، وهي فرض على الأعيان باتفاق أهل الإيمان، من تركها بالكلية فهو إما كافر أو منافق، وأعمال الجوارح تابعة ومتممة لأعمال القلوب، فلا تتم إلا بها (^١).
المطلب الثالث: الآثار العامة لعمل القلب على العبادات، ونجملها في الآتي:
١ - قبول الله للعمل، وذلك يكون بشرطين:
_________
(^١) ينظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٨٤ - ١٨٥)، بدائع الفوائد (٣/ ١٨٧ - ١٨٨).
1 / 15
أ - مجاهدة النفس على الإخلاص لله تعالى، مما يثمر الحرص على سلامة المقاصد في العبادات من العجب والرياء والسمعة.
ب - مجاهدة النفس على اتباع الهدي النبوي في أداء العبادة والحرص على سلامتها من البدع.
٢ - طهارة القلب من التعلق بغير الله يثمر حضور القلب في العبادة وعدم تشتته في أودية الدنيا، ولايؤدي إلى ضيقه بالعبادة وثقلها عليه؛ لأنه اذا تعلق القلب بالله وحده لا شريك له صفا له قلبه وطهر وصار همه الآخرة، وسلم من التشتت والفتنة التي تضرب بها القلوب المتعلقة بغير الله، فتثبطها عن طاعة الله، كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة: ٤٦]، وقال ﷺ: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» (^١).
_________
(^١) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٤٢) ح (٢٤٦٥)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١/ ٢٦٦) ح (١١٦٩٠)، وذكره الألباني في السلسة الصحيحة (٢/ ٦٣٣) ح (٩٤٩)، وصححه في صحيح الجامع (٢/ ١١٠٩) ح (٦٥٠٥).
وأخرجه ابن ماجه (٢/ ١٣٧٥) ح (٤١٠٥) بلفظ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» من حديث زيد بن ثابت ﵁، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٦٣٤) ح (٩٥٠)، وصححه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (٥/ ٢٢٧) ح (٤١٠٥).
1 / 16
٣ - الحرص على إتقان العبادة وإتمامها، والاجتهاد في الوصول إلى مقام الإحسان في العبادات، كما قال ﷺ عن مقام الإحسان: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (^١).
وهذه المرتبة العظيمة لا تحصل إلا إذا سلم القلب لله تعالى، واستحضر عظمة الله ومراقبته له وعلمه واطلاعه عليه، وجاهد العبد نفسه على إصلاح قلبه، وتنقيته من شوائب العجب والرياء والكبر والحسد، ومن بقية الآفات.
_________
(^١) أخرجه البخاري (١/ ١٩) ح (٥٠)، ومسلم (١/ ٣٦) ح (٨).
1 / 17
المطلب الرابع: سبب تخصيص الصلاة بالذكر قبل بقية العبادات:
لأهمية الصلاة ومكانتها العظيمة عند الله تعالى وذلك يتجلى في أمرين:
الأول: كثرة ورود ذكرها في القرآن العظيم (^١) والسنة الشريفة، وذلك يدل دلالة بينة على مكانتها العظيمة.
الثاني: طريقة فرضيتها، فقد فرضت كل العبادات بواسطة جبريل إلا عبادة الصلاة، فقد فرضت فوق السموات، وكلم الله نبيه محمدًا ﷺ بدون واسطة وفرضها الله عليه وعلى أمته مباشرة في رحلة الإسراء والمعراج:
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ ﵇ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ ﷺ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: َ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ﵇، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ ﷺ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ،
_________
(^١) وهذا لا يحتاج إلى كبير جهد مع وجود البحث الآلي من خلال المكتبة الشاملة أو مصحف الملك فهد ﵀ ..
1 / 18
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ﵇، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ ﷿: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ ﷺ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ﵇، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى ﷺ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ ﷺ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ "، قَالَ: " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى ﷺ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي ﵎، وَبَيْنَ مُوسَى ﵇ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ
1 / 19
سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ " (^١).
_________
(^١) أخرجه البخاري (٥/ ٥٢) ح (٣٨٨٧)، ومسلم واللفظ له (١/ ١٤٥) ح (١٦٢).
1 / 20
المبحث الثاني: نماذج لبعض أعمال القلوب المتعلقة بالخشوع في الصلاة، وفيه تمهيد ومطالب.
التمهيد: الارتباط الوثيق بين عمل القلب وأثره على الخشوع في الصلاة.
المطلب الأول: الإخلاص.
المطلب الثاني: اليقين.
المطلب الثالث: الصبر.
المطلب الرابع: المحبة.
المطلب الخامس: الخوف والخشية.
المطلب السادس: الرجاء.
المطلب السابع: أثر هذه الأعمال القلبية على عبادة الخشوع في الصلاة، وفيه عدة مسائل:
المسألة الأولى: إذا أحب العبد ربه أحب أن يلتقي به في كل وقت.
المسألة الثانية: إذا حقق العبد في قلبه محبة الله أثمر له ذلك محبة القرب منه.
المسألة الثالثة: إذا حقق العبد في قلبه محبة الله أثمر ذلك حياؤه من الله أن ينصرف بوجهه وقلبه عنه في صلاته.
المسألة الرابعة: الشعور بمناجاته لله وأنه مطلع عليه عالم بسره وجهره يسمعه ويراه.
1 / 21