Impact of Different Chains and Texts on Disagreement Among Jurists
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء
ناشر
دار الكتب العلمية
پبلشر کا مقام
بيروت - لبنان
اصناف
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء
الدكتور ماهر ياسين الفحل
دار الكتب العلمية
أسسها محمد علي بيضون سنة ١٩٧١ بيروت - لبنان
1 / 1
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩م
1 / 2
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فإن علم الْحَدِيْث النبوي الشريف من أشرف العلوم الشرعية، بَلْ هُوَ أشرفها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العلم بكتاب الله تَعَالَى الَّذِيْ هُوَ أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم؛ لذا نجد الْمُحَدِّثِيْنَ قَدْ أفنوا أعمارهم في تتبع طرق الْحَدِيْث ونقدها ودراستها، حَتَّى بالغوا أيما مبالغة في التفتيش والنقد والتمحيص عَنْ اختلاف الروايات وطرقها وعللها فأمسى علم مَعْرِفَة علل الْحَدِيْث رأس هَذَا العلم وميدانه الَّذِيْ تظهر فِيْهِ مهارات الْمُحَدِّثِيْنَ، ومقدراتهم عَلَى النقد.
ثُمَّ إن لعلم الْحَدِيْث ارتباطًا وثيقًا بالفقه الإسلامي؛ إِذْ إنا نجد جزءًا كبيرًا من الفقه هُوَ في الأصل ثمرة للحديث، فعلى هَذَا فإن الْحَدِيْث أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي. ومعلوم أنَّهُ قَدْ حصلت اختلافات كثيرة في الْحَدِيْث، وهذه الاختلافات مِنْهَا ما هُوَ في السند، ومنها ما هُوَ في الْمَتْن، ومنها ما هُوَ مشترك بَيْنَ الْمَتْن والسند. وَقَدْ كَانَ لهذه الاختلافات دورٌ كبيرٌ في اختلاف الفقهاء؛ من هنا أصبح لدي دافع كبير إِلَى جمع هَذِهِ الاختلافات وتصنيفها وتبويبها وترتيبها مَعَ التنظير العلمي لكل نوع من الأنواع الَّتِي حصلت فِيْهَا الاختلافات؛ ثُمَّ ذِكْرُ خلاصة الحكم في تِلْكَ المسألة الحديثية بَعْدَ سوق أقوال الْعُلَمَاء. ثم بَعْدَ ذَلِكَ أذكر ما ترتب عَلَى هَذِهِ الاختلافات من تباين في وجهات نظر الفقهاء وآرائهم نتيجة هَذَا الاختلاف الحديثي.
من هنا جاء الربط بَيْنَ علم الْحَدِيْث وعلم الفقه، وأكدت هَذَا الربط بأن ذكرت بتفصيل مناسب نموذجًا أو أكثر - حسب الوسع - أبين فِيْهِ أثر هَذَا الاختلاف في اختلاف الفقهاء.
هَذَا وَقَد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه بَعْدَ هَذِهِ المقدمة إِلَى أربعة فصول:
صدّرت الرسالة بفصلٍ تمهيديٍّ لبيان ماهية الاختلاف، وقضايا أخرى تتعلق بِهِ. وَقَدْ تضمن هَذَا الفصل أربعة مباحث:
1 / 3
المبحث الأول: عرّفت فِيْهِ الاختلاف لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني: ذكرت فِيْهِ الفرق بَيْنَ الاختلاف والاضطراب.
المبحث الثالث: بينت فِيْهِ أنواع الاختلاف.
المبحث الرابع: تكلمت فِيْهِ عن أسباب الاختلاف، وَقَدْ تفرع إِلَى أربعة مطالب:
المطلب الأول: تكلمت فِيْهِ عن مَعْرِفَة الاختلاف، ودخوله في علم العلل.
المطلب الثاني: ذكرت فِيْهِ أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد.
المطلب الثالث: تكلمت فِيْهِ عن الكشف عن الاختلاف.
المطلب الرابع: تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف القادح وغير القادح.
أما الفصل الأول: فَقَدْ خصصته للكلام عن الاختلافات الواردة في السند، وَقَد اشتمل عَلَى تمهيد ومبحثين:
تكلمت في التمهيد عن تعريف الإسناد لغة واصطلاحًا، وبينت أهمية الإسناد.
وفي المبحث الأول: تكلمت عن التدليس، وأثره في اختلاف الْحَدِيْث، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
وفي المبحث الثاني: ذكرت فِيْهِ التفرد وتكلمت عن أثره في اختلاف الْحَدِيْث، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
أما الفصل الثاني: فَقَدْ خصصته للاختلافات الواردة في الْمَتْن، وَقَد اشتمل عَلَى ثمانية مباحث:
المبحث الأول: تكلمت فِيْهِ عن رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث الثاني: تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث للقرآن، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث الثالث: ذكرت فِيْهِ الكلام عن مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث الرابع: تكلمت عن مخالفة الْحَدِيْث لفتيا راويه، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث الخامس: ذكرت فِيْهِ الكلام عن مخالفة الْحَدِيْث للقياس، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث السادس: تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
1 / 4
المبحث السابع: تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
المبحث الثامن: ذكرت فِيْهِ اختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.
أما الفصل الثالث: فَقَدْ خصصته للاختلافات المشتركة في السند والمتن، وَقَدْ تضمن ثمانية مباحث:
المبحث الأول: تكلمت فِيْهِ بتفصيل عن الاضطراب وما يتعلق بِهِ.
المبحث الثاني: فَقَدْ خصصته للزيادات الواقعة في المتون والأسانيد.
المبحث الثالث: تكلمت فِيْهِ عن اختلاف الثقة مَعَ الثقات.
المبحث الرابع: ذكرت فِيْهِ الكلام عن اختلاف الضعيف مَعَ الثقات.
المبحث الخامس: قَدْ تكلمت فِيْهِ بتفصيل عن الإدراج.
المبحث السادس: تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف بسبب خطأ الرَّاوِي.
المبحث السابع: ذكرت فِيْهِ الاختلاف بسبب القلب.
المبحث الثامن: تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف بسبب التصحيف والتحريف.
وَقَدْ خرّجت الأحاديث الواردة في الرسالة، وذلك بالرجوع إِلَى كتب الْحَدِيْث المعتمدة عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ وأطلت التخريج في أكثر المواضع؛ لأن موضوع الاختلافات يستدعي ذَلِكَ؛ إذ إن الاختلافات الحاصلة في المتون والأسانيد لا تدرك إلا بجمع طرق الْحَدِيْث من مظانها.
وَقَدْ رتبت في التخريج والعزو المؤلفين عَلَى حسب الوفيات، واعتمدت عَلَى الطبعات المعتمدة المتداولة وَقَدْ حاولت جاهدًا بَيَان درجة الأحاديث الواردة في الرسالة مهتديًا بأقوال الأئمة السابقين ومستعينًا بقواعد الْحَدِيْث الَّتِي وضعها الأئمة الأعلام.
وَقَدْ ترجمت للأعلام الواردين بالرسالة عِنْدَ ذَكَرَ العلم أول مرة.
أما الخاتمة فَقَدْ ضمنتها أهم نتائج البحث.
بَعْدَ هَذَا العرض أرى من الواجب عَليّ أن أعبر بالثناء الجميل عما يكنه صدري من عرفان بالفضل لكل من مدّ إليَّ يد العون في أثناء إعداد هَذِهِ الرسالة، سواء بإرشاد أو هداية لمصدر أو تشجيع أو دعاء وأخص بالذكر رفقائي في الطلب الأخوة المشايخ: هيثم عَبْد الوهاب وعَبْد الله كريم وحسن عَبْد الوهاب وعبد الحليم قاسم وعمر طارق وظافر إسماعيل وعماد عدنان وعبد الكريم مُحَمَّد، فجزاهم الله خير الجزاء ونفعهم بعلمهم في الدنيا والآخرة.
1 / 5
كَمَا أتوجه بالشكر الجزيل إِلَى أساتذتي الأفاضل الَّذِيْنَ تفضلوا بقبول مناقشة هَذِهِ الرسالة وتقويمها، وشرفوني بالنظر فِيْهَا، فجزاهم الله عني خير الجزاء.
وختامًا فإن هَذَا هُوَ جهدي المتواضع الَّذِي أرجو من الله تَعَالَى لَهُ القبول، فَقَدْ بذلت فِيْهِ ما وسعني من جهد، فإن وفّقت فِيْهِ فلله تَعَالَى الفضل والمنة، وإن كَانَ غَيْر ذَلِكَ فحسبي أني حاولت الوصول إِلَى خدمة هَذَا الدين عن طريق الربط بَيْنَ الفقه الإسلامي، وبين علمٍ من أهم علوم الْحَدِيْث النبوي الشريف.
والرب ﷾ يثيب عَلَى القصد ويعفو عن الخطأ؛ فأساله ﷾ أن يجنبنا الزلل ويرشدنا إِلَى الصواب ويوفقنا إِلَى ما يحبه ويرضاه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين لَهُمْ بإحسان إِلَى يوم الدين
1 / 6
الفصل التمهيدي
بيان ماهية الاختلاف
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: الاختلاف لغة واصطلاحًا
- المطلب الأول: تعريف الاختلاف لغة
- المطلب الثاني: تعريف الاختلاف اصطلاحًا
المبحث الثاني: الفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف
المبحث الثالث: أنواع الاختلاف
المبحث الرابع: أسباب الاختلاف
المبحث الخامس: معرفة الاختلاف ودخوله في علم العلل
المبحث السادس: أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد
المبحث السابع: الكشف عن الاختلاف
المبحث الثامن: الاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح
1 / 7
المبحث الأول
الاختلاف لغة واصطلاحًا
المطلب الأول
تعريف الاختلاف لغة
الاختلاف: افتعال مصدر اختلف، واختلف ضد اتفق، ويقال: «تخالف القوم واختلفوا، إذا ذهب كُلّ واحد مِنْهُمْ إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر».
ويقال: «تخالف الأمران، واختلفا إذا لَمْ يتفقا وكل ما لَمْ يتساو: فَقَدْ تخالف واختلف».
ومنه قولهم: اختلف الناس في كَذَا، والناس خلفة أي مختلفون؛ لأن كُلّ واحد مِنْهُمْ ينحي قَوْل صاحبه، ويقيم نفسه مقام الَّذِيْ نحّاه (١). ومنه حَدِيْث النَّبِيّ ﷺ: «سَوّوا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (٢).
وبعد أن ساق الزَّبِيديُّ (٣) هَذَا الْحَدِيْث قَالَ في معناه: «أي: إذا تقدّم بعضُهم عَلَى بَعضٍ في الصُّفُوفِ تأثرت قُلوبُهم، ونشأَ بينهم اختلافٌ في الأُلْفَةِ والموَدَّةِ» (٤).
ويستعمل الاختلاف عِنْدَ الفقهاء بمعناه اللُّغويِّ.
أمّا الخِلافُ - بالكسر - فهو المُضَادّةُ، وَقَدْ خالَفَهُ مُخالَفَةً وخِلافًا كَمَا في اللسان (٥).
والخِلافُ: المُخَالَفَةُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ
_________
(١) مقاييس اللغة ٢/ ٢١٣، والقاموس المحيط ٣/ ١٤٣، ولسان العرب ٩/ ٩١، والمصباح المنير: ١٧٩ (خلف).
(٢) أخرجه الطيالسي (٧٤١)، وعبد الرزاق (٢٤٣١)، وأحمد ٤/ ٢٨٥ و٢٩٧ و٣٠٤، والدارمي (١٢٦٧)، وأبو داود (٦٦٤)، والنسائي ٢/ ٨٩ - ٩٠، وفي الكبرى لَهُ (٨٨٥)، وابن خزيمة (١٥٥١) و(١٥٥٢) و(١٥٥٦) و(١٥٥٧)، وابن حبان (٢١٦٠) وفي طبعة الرسالة (٢١٦١)، والبيهقي ٣/ ١٠٣، والبغوي (٨١٨) من حَدِيْث البراء بن عازب: وَهُوَ حَدِيْث صَحِيْح.
(٣) هُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الرزاق الحسيني، الزبيدي، أبو الفيض، الملقب بالمرتضى، برع في اللغة والحديث والأنساب، لَهُ عدة مصنفات مِنْهَا: " تاج العروس "، و" إتحاف السادة المتقين " وغيرها. ولد سنة (١١٤٥ هـ)، وتوفي سنة (١٢٠٥ هـ).
الأعلام ٧/ ٧٠،ومعجم المؤلفين ١١/ ٢٨٢.
(٤) انظر: تاج العروس ٢٣/ ٢٧٥ (خلف).
(٥) اللسان ٩/ ٩٠ (خلف)، طبعة دار صادر.
1 / 9
اللَّهِ﴾ (١) أي: مُخُالَفَةَ رَسُولِ اللهِ (٢).
المطلب الثاني
تعريف الاختلاف اصطلاحًا
لَمْ أجد تعريفًا للعلماء في الاختلاف، لَكِنْ يمكنني أن أعرفه بأنه: ما اختلف الرُّوَاة فِيْهِ سندًا أو متنًا.
وعلى هَذَا التعريف يمكننا أن نقسّم الاختلاف عَلَى ضربين:
الأول: اختلاف الرُّوَاة في السند: وَهُوَ أن يختلف الرُّوَاة في سند ما زيادة أو نقصانًا، بحذف راوٍ، أو إضافته، أَوْ تغيير اسم، أَوْ اختلاف بوصل وإرسال، أَوْ اتصال وانقطاع، أو اختلاف في الجمع والإفراد (٣).
الثاني: اختلاف الرُّوَاة في الْمَتْن: زيادة ونقصانًا، أو رفعًا ووقفًا.
وَقَدْ أحسن وأجاد الإمام مُسْلِم بن الحجاج (٤) إذ صوّر لنا الاختلاف تصويرًا بديعًا فَقَالَ في كتابه العظيم "التمييز": «اعلم، أرشدك الله، أن الَّذِيْ يدور بِهِ مَعْرِفَة الخطأ في رِوَايَة ناقل الْحَدِيْث - إذا هم اختلفوا فِيْهِ - من جهتين:
أحدهما: أن ينقل الناقل حديثًا بإسناد فينسب رجلًا مشهورًا بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته الَّتِيْ هِيَ نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ ذَلِكَ غَيْر خفيٍّ عَلَى أهل العلم حين يرد عليهم ...
والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفّاظ الناس حديثًا عَنْ مثل الزهري (٥) أو
_________
(١) التوبة: ٨.
(٢) تفسير القرطبي ٤/ ٣٠٥٥، وانظر: الصحاح ٤/ ١٣٥٧، والتاج ٢٣/ ٢٧٤ (خلف).
(٣) وذلك مثل أن يروي الْحَدِيْث قوم - مثلًا - عَنْ رجل عَنْ فُلاَن وفلان، ويرويه غيرهم عَنْ ذَلِكَ الرجل عَنْ فُلاَن مفردًا، وذلك قَدْ يؤدي إلى وهم من حَيْثُ إنه قَدْ يحمل رِوَايَة الجمع عَلَى رِوَايَة الفرد.
(٤) مُسْلِم بن الحجاج بن مُسْلِم القشيري، أبو الحسين النيسابوري، الحافظ المجود، صاحب " الصَّحِيْح "، لَهُ: " الصَّحِيْح " و" التمييز " و" الكنى " وغيرها، ولد سنة (٢٠٤ هـ)، وتوفي سنة (٢٦١ هـ).
طبقات الحنابلة ١/ ٣١١، وتهذيب الكمال ٧/ ٩٥ (٦٥١٥)، وسير أعلام النبلاء ١٢/ ٥٥٧.
(٥) هُوَ مُحَمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أحد الفقهاء والمحدثين والأعلام التَّابِعِيْنَ بالمدينة، رأى عشرة من الصَّحَابَة ﵃ أجمعين، توفي سنة (١٢٤ هـ)، وَقِيْلَ (١٢٣ هـ)،وَقِيْلَ سنة (١٢٥ هـ).
طبقات خليفة: ٢٦١، والتاريخ الكبير ١/ ٢٢٠ و٢٢١، ووفيات الأعيان ٤/ ١٧٧ و١٧٨.
1 / 10
غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون عَلَى روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فِيْهِ في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عَنْهُ النفر الَّذِيْنَ وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب الْمَتْن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذٍ أنَّ الصَّحِيْح من الروايتين ما حدّث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد وإن كَانَ حافظًا، عَلَى هَذَا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الْحَدِيْث، مثل شعبة (١) وسفيان بن عيينة (٢) ويحيى بن سعيد (٣) وعبد الرحمان بن مهدي (٤) وغيرهم من أئمة أهل العلم» (٥).
المبحث الثاني
الفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف
الْحَدِيْث المضطرب: هُوَ ما اختلف راويه فِيْهِ، فرواه مرة عَلَى وجه، ومرة عَلَى وجه آخر مخالف لَهُ. وهكذا إن اضطرب فِيْهِ راويان فأكثر فرواه كُلّ واحد عَلَى وجه مخالف للآخر (٦).
_________
(١) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثُمَّ البصري ولد سنة (٨٠ هـ)، وَقِيْلَ سنة (٨٢ هـ): ثقة حافظ متقن، قَالَ سفيان الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الْحَدِيْث، توفي سنة (١٦٠هـ).
تهذيب الكمال ٣/ ٣٨٧ (٢٧٢٥)، وسير أعلام النبلاء ٧/ ٢٠٢، والتقريب (٢٧٩٠).
(٢) سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو مُحَمَّد الكوفي، ثُمَّ المكي، ولد سنة (١٠٧ هـ): ثقة حافظ فقيه إمام حجة، توفي سنة (١٩٨ هـ).
تهذيب الكمال ٣/ ٢٢٣ (٢٣٩٧)، وسير أعلام النبلاء ٨/ ٤٥٤، والتقريب (٢٤٥١).
(٣) يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، أبو سعيد البصري، ولد سنة (١٢٠ هـ): ثقة متقن حافظ إمام قدوة، توفي سنة (١٩٨ هـ).
تهذيب الكمال ٨/ ٣٨ (٧٤٢٩)، وسير أعلام النبلاء ٩/ ١٧٥، والتقريب (٧٥٥٧).
(٤) عَبْد الرحمان بن مهدي بن حسان العنبري، وَقِيْلَ الأزدي مولاهم، أبو سعيد البصري اللؤلؤي، ولد سنة (١٣٥ هـ): ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، توفي سنة (١٩٨ هـ).
تهذيب الكمال ٤/ ٤٧٦ (٣٩٥٧)، وسير أعلام النبلاء ٩/ ١٩٢، والتقريب (٤٠١٨).
(٥) التمييز: ١٢٤ - ١٢٦.
(٦) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٤٠، وفي طبعتنا ١/ ٢٩٠، وانظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ١٩٢ طبعتنا، و٨٤ من طبعة نور الدين، وإرشاد طلاب الحقائق ١/ ٢٤٩ - ٢٥٣، والتقريب: ١٢٣ طبعتنا، و٧٧ من طبعة الخن، والاقتراح: ٢١٩، والمنهل الروي: ٥٢، والخلاصة ٧٦، والموقظة: ٥١، واختصار علوم الْحَدِيْث: ٧٢، والتذكرة: ١٨، ومحاسن الاصطلاح: ٢٠٤، والتقييد والإيضاح: ١٢٤، ونزهة النظر: ١٢٦، والنكت عَلَى كتاب ابن الصلاح: ٢/ ٧٧٢، والمختصر:
=
1 / 11
ومن شرط الاضطراب: تساوي الروايات المضطربة بحيث لا تترجح إحداها عَلَى الأخرى.
أما إذا ترجحت إحدى الروايات فلا يسمى مضطربًا، بَلْ هُوَ مطلق اختلافٍ، قَالَ العراقي (١): «أما إذا ترجحت إحداهما بكون راويها أحفظ، أو أكثر صُحْبَة للمروي عَنْهُ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيح؛ فإنه لا يطلق عَلَى الوجه الراجح وصف الاضطراب ولا لَهُ حكمه، والحكم حينئذ للوجه الراجح» (٢). وهذا أمر معروف بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ لا خلاف فِيْهِ؛ لذا نجد المباركفوري يَقُوْلُ: «قَدْ تقرر في أصول الْحَدِيْث أنّ مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بَلْ من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّمَ» (٣).
فعلى هَذَا شرط الاضطراب تساوي الروايات، أما إذا ترجحت إحداهما عَلَى الأخرى فالحكم للراجحة، والمرجوحة شاذة أَوْ منكرة. وعليه فإن كَانَ أحد الوجوه مرويًا مِنْ طريق ضعيف والآخر من طريق قوي فلا اضطراب والعمل بالطريق القوي، وإن لَمْ يَكُنْ كذلك، فإن أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُوْنَ المتكلم باللفظين الواردين عَنْ معنى واحد فلا إشكال أَيْضًا؛ مِثْل أن يَكُوْنَ في أحد الوَجْهَيْنِ قَدْ قَالَ الرَّاوِي: عَنْ رجل، وفي الوجه الآخر يسمي هَذَا الرجل، فَقَدْ يَكُوْن هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المبهم؛ فَلاَ اضطراب إذن ولا تعارض، وإن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بأن يسمي مثلًا الرَّاوِي باسم معينٍ في رِوَايَة ويسميه باسم آخر في رِوَايَة أخرى فهذا محل نظر وَهُوَ اضطراب إِذْ يتعارض فِيْهِ أمران:
أحدهما: أنه يجوز أن يَكُوْن الْحَدِيْث عَنْ الرجلين معًا.
والثاني: أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد واختلف فِيْهِ (٤). فههنا لا يخلو أن
_________
=
١٠٤ -، وفتح المغيث ١/ ٢٢١، وألفية السيوطي: ٦٧ - ٦٨، وتوضيح الأفكار ٢/ ٣٤، وظفر الأماني: ٣٩٢، وقواعد التحديث: ١٣٢.
(١) هُوَ زين الدين عَبْد الرحيم بن الحسين بن عَبْد الرحمان بن أبي بكر بن إبراهيم، المهراني المولد، العراقي الأصل الكردي، الشَّافِعِيّ المذهب، حافظ العصر، ولد سنة (٧٢٥ هـ)، من مصنفاته: " شرح التبصرة والتذكرة " و" التقيد والإيضاح " وغيرهما، توفي سنة (٨٠٦ هـ).
لحظ الألحاظ: ٢٢١، والضوء اللامع ٤/ ١٧١، وشذرات الذهب ٧/ ٥٥، والأعلام ٣/ ٣٤٤ و٣٤٥.
(٢) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٤٠، وفي طبعتنا ١/ ٢٩١.
(٣) تحفة الأحوذي ٢/ ٩١ - ٩٢.
(٤) قَدْ يقع الاضطراب والاختلاف من راو واحد لخلل طرأ في ضبط ذَلِكَ الشيء المضطرب فِيْهِ
=
1 / 12
يَكُوْن الرجلان كلاهما ثقة أو لا، فإن كانا ثقتين فهنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ الكثير؛ لأنّ الاختلاف كيف دار فهو عَلَى ثقة، وبعضهم يقول: هَذَا اضطراب يضر؛ لأنه يدل عَلَى قلة الضبط (١).
إذن شرط الاضطراب الاتحاد في المصدر، وعدم إمكانية التوفيق بَيْنَ الوجوه المختلفة والترجيح عَلَى منهج النقاد وعلى ما تقدم يتبين لنا أنّ بَيْنَ الاضطراب والاختلاف عمومًا وخصوصًا، وَهُوَ أن كُلّ مضطرب مختلف فِيْهِ، ولا عكس. فالاختلاف أعم من الاضطراب إِذْ شرط الاضطراب أن يَكُوْن قادحًا، أما الاختلاف فربما كَانَ قادحًا وربما لَمْ يَكُنْ قادحًا.
ثُمَّ إنه ليس كُلّ اختلاف يؤدي إلى وجود الاضطراب، إِذْ إن ما يشبه أن يَكُوْن اضطرابًا ينتفي عَنْ الْحَدِيْث إذا جمع بَيْنَ الوجوه المختلفة أو رجح وجه مِنْهَا عَلَى طريقة النقاد لا عَلَى طريقة التجويز العقلي.
المبحث الثالث
أنواع الاختلاف
من البدهي أن يختلف الرُّوَاة سندًا ومتنًا فِيْمَا يؤدونه من الأحاديث النبوية؛ ذَلِكَ لأن مواهب الرُّوَاة في حفظ الأحاديث تختلف اختلافًا جذريًا بَيْنَ راوٍ وآخر، فمن الرُّوَاة من بلغ أعلى مراتب الحفظ والضبط والإتقان، ومنهم أدنى وأدنى. ولا عجب أن يختلَّ ضبط الرُّوَاة من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت مع تغيرات الزمان واختلاف الأحوال وتبدل الصحة. هَذَا مع اختلاف الرُّوَاة في عنايتهم في ضبط ما يتحملونه من الأحاديث فمنهم من يتعاهد حفظه ومنهم من لا يتعاهد، ومنهم من لا يحدّث إلا بصفاء الذهن ومراجعة الأصول (٢) ومنهم دون ذَلِكَ. زيادة عَلَى الآفات الَّتِيْ تصيب
_________
=
وحفظه، ثُمَّ إنّ الاضطراب لا يعرف من ظاهر سياق الْحَدِيْث الواحد، بَلْ يعرف الاضطراب بجمع طرق الْحَدِيْث ودراستها دراسة منهجية مع الفهم والمعرفة والممارسة الحديثية.
(١) انظر: الاقتراح: ٢٢٠ - ٢٢٢، وهامش محاسن الاصطلاح: ٢٠٤، وأثر علل الْحَدِيْث: ١٩٨.
(٢) لذا نجد ابن المديني يمتدح الإمام أحمد؛ لأنه يحدث من أصوله، ويعدها من مكارمه، فيقول: «ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عَبْد الله أحمد بن حَنْبَل، وبلغني أنه لا يحدّث إلا من كتاب، ولنا فِيْهِ أسوة» الجامع لأخلاق الرَّاوِي ٢/ ١٢ (١٠٣٠).
عَلَى أن الحافظ ابن حجر يرى أن نسبة الخطأ الواقع في مرويات من يحدث من أصوله أقل مِنْهَا في مرويات من يحدث من حفظه. انظر: النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ ١/ ٢٦٩.
1 / 13
الإنسان مِمَّا تؤدي إلى اختلال مروياته ودخول بعض الوهم في حديثه. فهذا كله من الأسباب الرئيسة العامة في وجود الاختلاف.
ثُمَّ إن اختلاف الرُّوَاة يرجع إلى نوعين رئيسين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد (١).
فاختلاف التنوع: هُوَ أن يذكر كُلّ من المختلفين من الاسم أَوْ اللفظ بعض
أنواعه، كأن يختلف الرُّوَاة عَلَى راوٍ فبعضهم يذكره باسمه وبعضهم يذكره بكنيته وبعضهم بلقبه وبعضهم بوصف اشتهر بِهِ. وربما أطلق عَلَى هَذَا الاختلاف اختلاف في العبارة وَهُوَ: أن يعبر كُلّ من المختلفين عَنْ المراد بعبارة غَيْر عبارة صاحبه، والمعنى واحد عِنْدَ الْجَمِيْع (٢).
والنوع الآخر من أنواع الاختلاف: اختلاف التضاد، وَهُوَ الاختلاف الحقيقي القادح، وَهُوَ: أن يختلف الرُّوَاة في متن حديثين أحدهما يخالف أَوْ ينافي الآخر أو أن يختلف الرُّوَاة في راوٍ أَوْ رواة مختلفين عَن الآخرين مع عدم إمكان الترجيح والتوفيق عَلَى طريقة النقاد؛ إِذْ تتساوى وجوه الروايات.
المبحث الرابع
أسباب الاختلاف
فطر الله تَعَالَى الناس عَلَى أن يختلفوا في مواهبهم وقدراتهم وتنوع قابلياتهم في الدقة والضبط والإتقان والحرص عَلَى الشيء، كَمَا أن الناس يختلفون في أحوالهم الأخرى قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات﴾ (٣)، وهذه المواهب والمنح من الله يعطي من شاء ما شاء. والناس كذلك يختلفون في حرصهم واجتهادهم لِذَلِكَ عَدَّ الإمام الشَّافِعِيّ (٤) الحرص من لوازم العلم فَقَالَ:
_________
(١) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٧٧٨.
(٢) الاختلافات يعود غالبها إلى عدم التيقظ والى عدم الدقة والضبط إضافة إلى العوارض البشرية والنفسية، والعوارض الَّتِيْ تنتاب الإنسان فتضعف ضبطه وإتقانه، ويقع في وهم من نسيان أَوْ غفلة أَوْ خطأ، وَهِيَ متعددة مِنْهَا ما يَكُوْن في الجسم أو النفس أو المال أَوْ الولد أَوْ الصديق. وكل ذَلِكَ لَهُ مؤثرات عَلَى الإنسان في عقله وفكره وحفظه وضبطه.
(٣) سورة فاطر: ٣٢.
(٤) هُوَ مُحَمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي، فقيه العصر، صاحب المذهب، لَهُ: " الأم " و" اختلاف الْحَدِيْث " وغيرهما، ولد بغزة سنة (١٥٠ هـ) عَلَى
=
1 / 14
أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عَنْ تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان (١)
فالحرص إذن من أساسيات العلم، وإن قَلَّ حفظ الرَّاوِي أو كلّت ذاكرته، فإن بوسعه الحِفاظ على مروياته بالمذاكرة والمتابعة والتعاهد لمحفوظه ومراجعة أصوله، حفظًا للسنة النبوية من الخطأ فِيْهَا - بزيادة أَوْ نقص أو تغيير -.
ومع هَذَا كله فإننا لَمْ نعدم في تاريخنا الحديثي بعض الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يبالوا بمروياتهم، وَلَمْ يولوها الاهتمام الكافي، سواء أهمل الرَّاوِي نفسه تعاهد محفوظاته أَوْ مراجعته كتابه، أو تدخل عنصر بالعبث بمروياته (٢)، أو غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تكون نتيجته وقوع الوهم في حَدِيْث ذَلِكَ الرَّاوِي، ويؤول بالنهاية إلى حدوث الاختلاف مع روايات غيره، عَلَى أن الخطأ والوهم لَمْ يسلم مِنْهُ كبار الحفاظ مع شدة حرصهم وتوقيهم، لذا قَالَ ابن
معين (٣): «لست أعجب ممن يحدّث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب» (٤). غَيْر أنّ الأحاديث الَّتِيْ حصل فِيْهَا الوهم تعد قليلة مغمورة في بحر ما رووه عَلَى الصواب.
وبإمكاننا أن نفصل أسباب الاختلاف بما يأتي:
أولًا. الوهم والخطأ:
الخطأ والوهم أمران حاصلان وواقعان في أحاديث الثقات فضلًا عَنْ وقوعه في أحاديث الضعفاء، ونحن وإن نذكر في حد الصَّحِيْح كون راويه تام الضبط إلا أن ذَلِكَ أمر نسبيٌّ (٥)، وإلا فكيف اشترطنا في الصَّحِيْح (٦) أن لا يَكُوْن شاذًا ولا معللًا مع كون راويه ثقة فيتخرج عَلَى هَذَا أن الوهم والخطأ يدخل في أحاديث الثقات؛ لأن كلًا من
_________
=
الأصح، وتوفي بمصر سنة (٢٠٤ هـ). مرآة الجنان ٢/ ١١ و١٢، ووفيات الأعيان ٤/ ١٦٣ و١٦٥.
(١) ديوان الشَّافِعِيّ: ١٦٤.
(٢) كَمَا حصل لسفيان بن وكيع. انظر: ميزان الاعتدال ٢/ ١٧٣ (٣٣٣٤).
(٣) يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح
والتعديل، لَهُ: " التاريخ " و" السؤالات " وغيرهما، ولد سنة (١٥٨ هـ) وتوفي سنة (٢٣٣ هـ).
تهذيب الكمال ٨/ ٨٩ و٩٥ (٧٥٢١)، وميزان الاعتدال ٤/ ٤١٠، والتقريب (٧٦٥١).
(٤) تاريخ ابن معين (رِوَايَة الدوري) ٣/ ١٣ (٥٢).
(٥) انظر: مقدمة شرح علل الترمذي، لابن رجب: ٧.
(٦) هُوَ الَّذِيْ يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عَنْ العدل الضابط إلى منتهاه ولا يَكُوْن شاذًا ولا معللًا. مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث طبعة نور الدين: ١٠، وفي طبعتنا:٧٩.
1 / 15
الشذوذ والعلة داخل بمعنى الوهم والخطأ. ثُمَّ إن الوهم والخطأ من الأسباب الرئيسة للاختلاف بَيْنَ الأحاديث. وبالسبر والنظر إلى كتب السنة النبوية نجد عددًا كبيرًا من الرُّوَاة الثقات قَدْ أخطؤوا في بعض ما رووا، وَهُوَ أمر متفاوت بَيْنَ الرُّوَاة حسب مروياتهم قلة وكثرة وربما كَانَ حظ من أكثر من الرِّوَايَة أكبر خطأً من المقلين؛ لذا نجد غلطات عُدَّتْ عَلَى الأئمة العلماء الحفاظ لكنها لَمْ تؤثر عليهم في سعة ما رووه (١)، قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل (٢): «ومن يعرى من الخطأ والتصحيف» (٣). وَقَالَ الإمام مُسْلِم بن الحجاج: «فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كَانَ من أحفظ الناس وأشدهم توقيًا وإتقانًا لما يحفظ وينقل - إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله» (٤).
وَقَالَ الإمام الترمذي (٥): «لَمْ يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم» (٦)، ثُمَّ ساق الترمذي عددًا وافرًا من الروايات تدلل عَلَى تفاوت أهل العلم بالحفظ وتفاضلهم بالضبط وقلة الخطأ، ثُمَّ قَالَ: «والكلام في هَذَا والرواية عَنْ أهل العلم تكثر، وإنما بيّنا شيئًا مِنْهُ عَلَى الاختصار ليُستدل بِهِ عَلَى منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم عَلَى بعض في الحفظ والإتقان، ومن تُكلمَ فِيْهِ من أهل العلم لأي شيء تُكلمَ
فِيْهِ» (٧).
ولما كَانَ الخطأ في الرِّوَايَة أمرٌ بدهيٌّ، وأنه لا يسلم إنسان مِنْهُ نجد الأكابر قَدْ
_________
(١) وهكذا فإنا نجد أن الإمام علي بن المديني قَدْ خرّج علل حَدِيْث سفيان بن عيينة في ثلاثة عشر جزءًا. مع أن سفيان بن عيينة من أساطين هَذَا الفن وجهابذته وفحوله؛ لَكِنْ هَذَا الكم الكبير لَمْ يؤثر عَلَيْهِ لسعة ما رَوَى فهو كحبة القمح من البيدر. وانظر: مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث، للحاكم: ٧١.
(٢) هُوَ أحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي ثُمَّ البغدادي، أبو عَبْد الله، أحد الأعلام، صاحب المذهب، لَهُ: " المسند " و" الزهد " و" العلل " وغيرها، ولد سنة (١٦٤ هـ)، وتوفي سنة (٢٤١ هـ).
حلية الأولياء ٩/ ١٦١ و١٦٢، وطبقات الحنابلة ١/ ١٠، والعبر ١/ ٤٣٥.
(٣) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث، لابن الصَّلاَحِ:: ٢٥٢ طبعة نور الدين، و٤٤٨ طبعتنا.
(٤) التمييز: ١٢٤.
(٥) هُوَ مُحَمَّد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك التِّرْمِذِيّ، أبو عيسى الضرير الحافظ، صاحب " الجامع " وغيره من المصنفات، وَهُوَ تلميذ البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، توفي سنة (٢٧٩ هـ). تهذيب الكمال ٦/ ٤٦٨ و٤٦٩ (٦١٢٢)، ومرآة الجنان ٢/ ١٤٤، والتقريب (٦٢٠٦).
(٦) علل الترمذي الصغير ٦/ ٢٤٠ آخر الجامع.
(٧) علل الترمذي الصغير ٦/ ٢٤٤ آخر الجامع.
1 / 16
وهمّوا الأكابر، فهذه أم المؤمنين عائشة ﵂ قَدْ وهّمت عددًا من الصَّحَابَة في عدد من الأحاديث، وَقَدْ جمع ذَلِكَ الزركشي (١) في جزءٍ (٢)، لذا قَالَ الإمام عَبْد الله بن المبارك (٣): «ومن يسلم من الوهم، وَقَدْ وهّمت عائشة جَمَاعَة من الصَّحَابَة في رواياتهم للحديث» (٤).
وفيما نقلنا عَنْ الأئمة الأعلام كفاية ودليل عَلَى أن دخول الخطأ والوهم أمرٌ نسبيٌّ ممكن في أحاديث الرُّوَاة ثقاتً كانوا أو غَيْر ذَلِكَ، فالخطأ والوهم والنسيان سجية البشر، وَقَدْ قَالَ الشاعر:
نَسِيتُ وَعْدَكَ والنِّسْيَانُ مُغْتَفَرٌ ... فَاغْفِرْ فَأوَّلُ نَاسٍ أوَّلُ النَّاسِ (٥)
ثانيًا. ظروف طارئة (٦):
قَدْ يطرأ عَلَى الرَّاوِي حين تحمله (٧) الْحَدِيْث أَوْ أدائه (٨) ظروف تدخل الوهم في حديثه أو أحاديثه. وهذه الظروف ليست عامة بَلْ هِيَ خاصة تطرأ عَلَى بعض الرُّوَاة في بعض الأحيان دون بعضٍ، تبعًا لاختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ؛ إِذْ قَدْ يطرأ الخلل في كَيْفِيَّة تلقّي الأحاديث كَمَا حصل لهشيم بن بشير (٩)؛ إِذْ إنَّهُ دخل عَلَى الزهري
_________
(١) هُوَ مُحَمَّد بن بهادر بن عَبْد الله الزركشي، أبو عَبْد الله الشَّافِعِيّ، بدر الدين: عالم بالفقه والأصول، مشارك في الْحَدِيْث والعربية، من مصنفاته " البحر المحيط " و" البرهان في علوم القرآن "، ولد سنة (٧٤٥ هـ)، وتوفي سنة (٧٩٤ هـ).
الدرر الكامنة ٣/ ٣٩٧، وشذرات الذهب ٦/ ٣٣٥، والأعلام ٦/ ٦٠.
(٢) أسماه: الإجابة لما استدركته عائشة عَلَى الصَّحَابَة، طبع مرارًا بتحقيق سعيد الأفغاني.
(٣) هُوَ عَبْد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم، أبو عَبْد الرحمان المروزي، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، ولد سنة (١١٨ هـ)، وتوفي سنة (١٨١ هـ).
تهذيب الكمال ٤/ ٢٥٨ (٣٥٠٨)، ومرآة الجنان ١/ ٢٩٤، والتقريب (٣٥٧٠).
(٤) شرح علل الترمذي ١/ ٤٣٦.
(٥) قائله: أبو الفتح البُستي. انظر: الغيث المسجم في شرح لامية العجم، للصفدي ٢/ ٢٠٨، وانظر: نكت الزركشي ٣/ ٥٦٥، وفتح المغيث ٢/ ١٤٨،وتعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث، لابن الصَّلاَحِ: ٢٩٤.
(٦) أعني بالظروف الطارئة ما يحصل عَنْ غَيْر اعتياد وتماثل، ولا يَكُوْن سنة خلقية تقع لعدد كبير من الناس.
(٧) التحمل: هُوَ أخذ الْحَدِيْث عَنْ الشيخ بطريق من طرق التحمل. الاقتراح: ٢٣٨.
(٨) الأداء: هُوَ تبليغ الْحَدِيْث وأدائه لِمَنْ يسمعه. أصول الْحَدِيْث: ٢٢٧.
(٩) هُوَ هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، ولد سنة (١٠٤ هـ)، وتوفي سنة (١٨٣ هـ).
=
1 / 17
فأخذ عَنْهُ عشرين حديثًا، فلقيه صاحبٌ لَهُ وَهُوَ راجع، فسأله رؤيتها، وَكَانَ ثمة ريح شديدة، فذهبت بالأوراق من يد الرجل، فصار هشيم يحدّث بِمَا علق مِنْهَا بذهنه، وَلَمْ يَكُنْ أتقن حفظها، فوهم في أشياء مِنْهَا، ضعف حديثه بسببها (١) خاصة في الزهري (٢). فهذا أمر طارئ عَلَى هشيم وَهُوَ ثقةٌ من الثقات الكبار النبلاء أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة (٣) لكنه ضُعِّفَ خاصةً في الزهري لهذا الطارئ الَّذِيْ طرأ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ الحافظ ابن حجر (٤): «أما روايته عَنْ الزهري فليس في الصحيحين مِنْهَا شيءٌ» (٥).
وكذلك يختلف حال ضبط الرَّاوِي باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه، أو بسبب حدوث ضياعٍ في بعضِ ما كتبه عَنْ بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت الناس في هَذَا الشيخ خاصة.
ومما يذكر في الظروف الطارئة ما حصل لمؤمل بن إسماعيل (٦) إِذْ كَانَ قَدْ دفن كتبه، ثُمَّ حدث من حفظه فدخل الوهم والاختلاف في حديثه (٧).
ثالثًا. الاختلاط:
الاختلاط لغة: يقال خلطت الشيء بغيره خَلْطًا فاختلط، وخالطهُ مخالطةً وخِلاطًا، واختلط فلانٌ، أي: فسد عقلُهُ، والتخليط في الأمر: الإفساد فِيْهِ والمختلط من الاختلاط، واختلط عقله إذا تغير، فهو مختلط، واختلط عقله: فسد (٨).
_________
=
الْمَعْرِفَة والتاريخ ١/ ٤٧، والجرح والتعديل ٩/ ١١٥، والتقريب (٧٣١٢).
(١) هَذِهِ القصة ساقها الْخَطِيْب في تاريخ بغداد ١٤/ ٨٧، والذهبي في الميزان ٤/ ٣٠٨، ونقلها السيوطي في تدريب الرَّاوِي ١/ ١٢٩.
(٢) لذا قَالَ الذهبي في " الميزان " ٤/ ٣٠٦: «هُوَ ليّن في الزهري».
(٣) تهذيب الكمال ٧/ ٤١٨.
(٤) هُوَ أحمد بن علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكناني العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ، علم الأعلام، حافظ العصر، لَهُ: " فتح الباري " و" تهذيب التهذيب " و" تقريبه " وغيرها، ولد سنة (٧٧٣ هـ)، وتوفي سنة (٨٥٢ هـ). طبقات الحفاظ: ٥٥٢ (١١٩٠)، ونظم العقيان: ٤٥ و٥١، وشذرات الذهب ٧/ ٢٧٠.
(٥) هدي الساري: ٤٤٩.
(٦) هُوَ مؤمل بن إسماعيل، أبو عَبْد الرحمان البصري، مولى آل عمر بن الخطاب ﵁، حافظ عالم يخطئ، قَالَ عَنْهُ أبو حاتم: صدوق، شديد في السنة، كثير الخطأ، توفي سنة (٢٠٦ هـ).
التاريخ الكبير ٨/ ٤٩، وميزان الاعتدال ٤/ ٢٢٨، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ١١٠ و١١١.
(٧) تهذيب الكمال ٧/ ٢٨٤، والكاشف ٢/ ٣٠٩، وسيأتي الْحَدِيْث تفصيلًا عن أحد أوهامه.
(٨) انظر: الصحاح ٣/ ١١٢٤،وأساس البلاغة:١٧٢،واللسان ٧/ ٢٩٥، وتاج العروس ١٩/ ٢٦٧ (خلط).
1 / 18
أما في اصطلاح المحدثين: فَقَدْ قَالَ السخاوي (١): «وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرضٍ من موت ابن وسرقة مالٍ كالمسعودي (٢)، أو ذهاب كتب كابن لهيعة (٣)، أَو احتراقها كابن الملقن (٤») (٥).
إذن الاختلاط: آفة عقلية تورث فسادًا في الإدراك، وتصيب الإنسان في آخر عمره، أو تعرض لَهُ بسبب حادث لفقد عزيز أو ضياع مالٍ؛ ومن تصبه هَذِهِ الآفة لكبر سِنّهِ يقال فِيْهِ: اختلط بأخرة، ويقال: بآخره (٦).
فالاختلاط قَدْ يطرأ عَلَى كثير من رواة الْحَدِيْث النبوي مِمَّا يؤثر عَلَى روايته أحيانًا فيدخل في رِوَايَته الوهم والخطأ مِمَّا يؤدي ذَلِكَ بالمحصلة النهائية إلى وجود الاختلاف بَيْنَ الروايات. ثُمَّ من كَانَ مختلطًا فدخل الوهم في حديثه لا تضر روايتُه رِوَايَةَ الثقات الأثبات؛ إِذْ إنّ الرِّوَايَة الصَّحِيْحَة لا تُعلُّ بالرواية الضعيفة، فرواية المختلط ضعيفة لا تقاوم رِوَايَة الثقات، ولا تصلح للحجية إلا إذا توبع المختلط في روايته أَوْ كَانَتْ روايته مِمَّا حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط. وعلماؤنا الأجلاء أحرقوا أعمارهم شموعًا تضيء لنا الطريق من أجل بَيَان كُلّ ما يدخل الْحَدِيْث من خطأ ووهم واختلاف، إِذْ إنّ مَعْرِفَة المختلطين لَيْسَ بالأمر السهل بَلْ هُوَ أمرٌ شاقٌ عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ للغاية، بَلْ كَانَ
_________
(١) هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن مُحمد السخاوي، المحدث المؤرخ، حضر إملاء الحافظ ابن حجر، أصله من " سخا " من قرى مصر، ولد سنة (٨٣١ هـ)، وتوفي سنة (٩٠٢ هـ).
نظم العقيان: ١٥٢، وشذرات الذهب ٨/ ١٥، والأعلام ٦/ ١٩٤.
(٢) هُوَ عَبْد الرحمان بن عَبْد الله بن عتبة بن عَبْد الله بن مسعود المسعودي الهذلي، أحد الأئمة الكبار: سيء الحفظ، توفي سنة (١٦٠هـ). التاريخ الكبير٥/ ٣١٤، وتاريخ بغداد ١٠/ ٢١٨، وميزان الاعتدال ٢/ ٥٧٤.
(٣) هُوَ عَبْد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي، أبو عَبْد الرحمن المصري، القاضي: صدوق، خلط بَعْدَ احتراق كتبه. توفي سنة (١٧٤ هـ). طبقات ابن سعد ٧/ ٥١٦ و٥١٧، والضعفاء الكبير، للعقيلي ٢/ ٢٩٣، والتقريب (٣٥٦٣).
(٤) هُوَ عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الأندلسي، ثُمَّ المصري، ولد سنة (٧٢٣ هـ)، كَانَ أكثر أهل زمانه تصنيفًا، من مصنفاته " طبقات الْمُحَدِّثِيْنَ " و" البدر المنير " وغيرهما، توفي سنة (٨٠٤ هـ). طبقات الحفاظ: ٥٤٢ (١١٧٣)، وشذرات الذهب ٧/ ٤٤و٤٥، والأعلام ٥/ ٥٧.
(٥) فتح المغيث ٣/ ٢٧٧.
(٦) يقال: «تغير بآخرهِ» بمد الهمزة وكسر الخاء والراء، بعدها هاء. و«تغيّر بآخِرَة» بمد الهمزة أَيْضًا وكسر الخاء وفتح الراء، بعدها تاء مربوطة. و«تغير بأخرة» بفتح الهمزة والخاء والراء، بعدها تاء مربوطة. أي: اختل ضبطه وحفظه في آخر عمره وآخر أمره. إفادة من تعليق الشيخ عَبْد الفتاح أبو غدة ﵀ عَلَى كتاب قواعد في علوم الْحَدِيْث: ٢٤٩. وانظر: لسان العرب ٤/ ١٤، وتاج العروس ١٠/ ٣٦، والتعليق عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٤٩٤.
1 / 19
الْمُحَدِّثُوْنَ أحيانًا يعيدون سَمَاع الأحاديث نفسها الَّتِيْ سمعوها من ذَلِكَ الشَّيْخ من أجل أن يعرفوا ويحددوا الاختلاط من عدمه، ويحددوا وقت الاختلاط؛ لِذَلِكَ قَالَ حماد بن زيد (١): «شعبة كَانَ لا يرضى أن يَسْمَع الْحَدِيْث مرة يعاود صاحبه مرارًا» (٢). ومما يذكر في هَذِهِ الباب ما قَالَهُ حماد ابن زيد: قَالَ: حَدَّثَنِي عمرو بن عبيد الأنصاري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الزعيزعة (٣) -كاتب مروان (٤) - أن مروان أرسل إلى أبي هُرَيْرَة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير وأنا أكتب، حَتَّى إذا كَانَ رأس الحول، دعا بِهِ فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله من ذَلِكَ الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر (٥).
وروى الحافظ أبو خيثمة زهير (٦) بن حرب في "كتاب العلم" (٧) قَالَ: حَدَّثَنَا جرير (٨)، عَنْ عمارة بن القعقاع (٩)، قَالَ: قَالَ لي إبراهيم (١٠): حَدِّثنِي عَنْ أبي زرعة (١١)
_________
(١) هُوَ حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري: ثقة ثبت فقيه، مولى آل جرير بن حازم، ولد سنة (٩٨ هـ) وتوفي سنة (١٧٩ هـ).
تهذيب الكمال ٢/ ٢٧٤ (١٤٦٥)، وسير أعلام النبلاء ٧/ ٤٥٦، والتقريب (١٤٩٨).
(٢) الجرح والتعديل ١/ ١٦٨.
(٣) هُوَ سالم أبو الزعيزعة مولى مروان بن الحكم، وكاتبه وكاتب ابنه عَبْد الملك بن مروان، وَكَانَ عَلَى الرسائل لعبد الملك وولاه الحرس. تاريخ دمشق ٢٠/ ٨٨. وورد في تاريخ البخاري ٩/ ٣٣ (٢٨٩)، والجرح والتعديل ٩/ ٣٧٥ (١٧٣٤) أبو الزعزعة.
(٤) هُوَ مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، ولد بَعْدَ الهجرة بسنتين وَقِيْلَ بأربع، وَلَمْ يصح لَهُ سَمَاع عَنْ النَّبِيّ ﷺ، توفي سنة (٦٥ هـ).
تهذيب الكمال ٧/ ٧١ (٦٤٦٢)، والبداية والنهاية ٨/ ٢٠٦، والتقريب (٦٥٦٧).
(٥) أخرج هَذِهِ القصة الْحَاكِم في المستدرك ٣/ ٥١٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٠/ ٨٩، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٩٨.
(٦) هُوَ أبو بكر، أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب النسائي الأصل، كَانَ ثقة عالمًا متقنًا حافظًا بصيرًا بأيام الناس، راوية للأدب، من مصنفاته كتاب " التاريخ " الَّذِي أحسن تصنيفه وأكثر فائدته، توفي سنة (٢٧٩ هـ). انظر: تاريخ بغداد ٤/ ١٦٢، ومعجم الأدباء ٣/ ٣٥ - ٣٦، وسير أعلام النبلاء ١١/ ٤٩٣.
(٧) العلم: ١٦ (٥٦)، ونقله عَنْهُ الترمذي في علله الصغير ٦/ ٢٤٠ آخر الجامع.
(٨) هُوَ جرير بن عَبْد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري: ثقة صَحِيْح الكِتَاب، توفي سنة (١٨٨ هـ). تهذيب الكمال ١/ ٤٤٧ و٤٥٠ (٩٠١)، وسير أعلام النبلاء ٩/ ٩، والتقريب (٩١٦).
(٩) هُوَ عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي: ثقة.
سير أعلام النبلاء ٦/ ١٤٠، وتهذيب الكمال ٥/ ٣٢٩ (٤٧٨٥)، والتقريب (٤٨٥٩).
(١٠) هُوَ الإمام الحافظ إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمران الكوفي: ثقة، توفي (١٩٦ هـ).
طبقات ابن سعد ٦/ ٢٧٠ وسير أعلام النبلاء ٤/ ٥٢٠، والتقريب (٢٧٠).
(١١) هُوَ أَبُو زرعة بن عمرو بن جرير بن عَبْد الله البجلي الكوفي قِيْلَ اسمه كنيته، وَقِيْلَ: اسمه هرم،
=
1 / 20
فإني سألته عَنْ حَدِيْث، ثُمَّ سألته عَنْهُ بَعْدَ سنتين فما أخرم (١) مِنْهُ حرفًا».
وهذا نوع من أنواع الكشف عَنْ الخلل المتوقع طرؤه عَلَى المحدّث عِنْدَ تقدم السَّمَاع لَهُ، وكانت ثمة طرق أخرى للمحدّثين يستطيعون من خلالها الكشف عَنْ حال المحدّث، وهل طرأ لَهُ اختلاط في ما يرويه أَوْ بعض ما يرويه أم أنه حافظ ومتقن لما يروي ويحدّث؟
ومن طرق الْمُحَدِّثِيْنَ في مَعْرِفَة اختلاط الرُّوَاة: أن الناقد مِنْهُمْ كَانَ يدخل عَلَى الرَّاوِي ليختبره فيقلب عَلَيْهِ الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فإن لَمْ ينتبه الشيخ لما يراد بِهِ فإنه يعد مختلطًا ويعزف الناس عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ، ومما يذكر في هَذِهِ البابة ما أسند إلى يحيى بن سعيد قَالَ: «قدمت الكوفة وبها ابن عجلان (٢) وبها ممن يطلب الْحَدِيْث: مليح بن وكيع (٣) وحفص بن غياث (٤) وعبد الله بن إدريس (٥) ويوسف بن خالد السمتي (٦)، فقلنا: نأتي ابن عجلان، فَقَالَ يوسف بن خالد: نقلب عَلَى هَذَا الشيخ حديثه، ننظر تفهُّمه، قَالَ: فقلبوا فجعلوا ما كَانَ عَنْ سعيد عَنْ أبيه، وما كَانَ عَنْ أبيه عَنْ سعيد، ثُمَّ جئنا إِلَيْهِ، لَكِنْ ابن إدريس تورّع وجلس بالبابِ وَقَالَ: لا استحلُّ وجلست مَعَهُ. ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح فسألوه فمرّ فِيْهَا، فلما كَانَ عِنْدَ
_________
=
وَقِيْلَ: عَمْرو: ثقة.
طبقات ابن سعد ٦/ ٢٩٧، وسير أعلام النبلاء ٥/ ٨، والتقريب (٨١٠٣).
(١) أي: ما نقص وما غير، قَالَ في الصحاح ٥/ ١٩١٠: «ما خرمت مِنْهُ شَيْئًا، أي: ما نقصت وما قطعت»، وفي المعجم الوسيط ١/ ٢٣٠: «ويقال: ما خرم من الْحَدِيْث حرفًا: ما نقص، وفي حَدِيْث سعد: ما خرمت من صلاة رَسُوْل الله شَيْئًا». وانظر: النهاية ٢/ ٢٧.
(٢) هُوَ مُحَمَّد بن عجلان، أبو عَبْد الله القرشي: صدوق إلا أنه اختلطت عَلَيْهِ أحاديث أبي هُرَيْرَة، توفي سنة (١٤٨ هـ).
طبقات خليفة: ٢٧٠، والتاريخ الكبير ١/ ١٩٦، والجرح والتعديل ٨/ ٤٩، والتقريب (٦١٣٦).
(٣) هُوَ مليح بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي أخو وكيع بن الجراح. التاريخ الكبير ٨/ ١٠، والثقات ٩/ ١٩٤ ..
(٤) هُوَ حفص بن غياث بن طلق، أبو عمر النخعي: ثقة مأمون، توفي سنة (١٩٤ هـ). التاريخ ليحيى بن معين رِوَايَة الدوري ٢/ ١٢١، وطبقات ابن سعد ٦/ ٣٨٩، والجرح والتعديل ٣/ ١٨٥.
(٥) هُوَ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن إدريس الأودي: ثقة فقيه عابد، توفي سنة (١٩٢ هـ). تاريخ يحيى بن معين رِوَايَة الدوري ٢/ ٢٩٥، وطبقات ابن سعد ٦/ ٣٨٩، والتاريخ الكبير ٥/ ٤٧.
(٦) هُوَ يوسف بن خالد السمتي، أبو خالد البصري، مولى صخر بن سهل، قَالَ النسائي: بصري متروك الْحَدِيْث، وكذّبه ابن معين، توفي سنة (١٨٩ هـ).
الكامل ٨/ ٤٩٠، وتهذيب الكمال ٨/ ١٩٠ (٧٧٢٩)، والتقريب (٧٨٦٢).
1 / 21