امبراطوریہ اسلامیہ
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
اصناف
وقد كان الاجتهاد بالرأي أصلا من أصول الشرع منذ العصر الإسلامي الأول، وكان هذا الاجتهاد بالرأي يتناول أصول الفقه في الدين، فطبيعي أن تكون حرية الرأي مطلقة فيما وراء ذلك من شئون الحياة، وهذا هو الذي جعل المسلمين الأولين في مقدمة من نقلوا العلوم اليونانية والفلسفة اليونانية، وأقاموا على أساس من تفكير اليونان مذاهب نقلها الأوروبيون عنهم من بعد.
هذا إجمال لصورة تاريخية تتولى ألوف المجلدات تفصيلها، وهي صورة صحيحة كل الصحة مع إجمالها في سطور.
وحسبك أن تذكر ما كان يقع بين النبي العربي وخصوم الدعوة الجديدة من جدل، تبلغ فيه المعارك الكلامية ذروتها لتقتنع بأن حرية الرأي كانت أساس هذه الدعوة، وأن تذكر ما تكرر في القرآن من التثريب على الذين يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم دون النظر فيه وتمحيصه، لنفي ما فيه من زيف باطل، لتعلم أن تحرير الفكر من رق الجمود كان أساسا من أسس الدين الحنيف.
أما الاجتهاد بالرأي فكان يقع في عهد رسول الله، وكان عمر بن الخطاب إماما فيه، حتى لقد صارت آراؤه من بعد مراجع يأخذ بها أئمة الفقه.
وقد أدى نقل الفلسفة اليونانية للعربية إلى نشاط عقلي، تبدو آثاره واضحة في كتب الفلسفة الإسلامية، سواء منها ما ظهر في الشرق حين كانت دمشق وبغداد والقاهرة عواصم الإمبراطورية الإسلامية، وما ظهر منها في الغرب أيام مقام المسلمين بالأندلس واطمئنان دولتهم في ربوعها. (2) في عهد الانحلال
وإنما قضي على هذه الحرية، وأقفل باب الاجتهاد، حين بدأ عهد الانحلال. في هذا العهد انقسمت الإمبراطورية على نفسها، واستبد الملوك بأممها المختلفة، وأصبح شأن العلماء في تلك العهود المهلهلة أن يجدوا ما يؤيد سلطان هؤلاء الملوك.
فإذا خرج أحدهم على هذا اللون من التفكير، أو أراد محاربة المظالم التي تقع في ظل هذا السلطان، اتهم بالكفر والزندقة وحلت به نقمة الحاكم. من ذلك العهد بدأ الجمود يقيد الأذهان، وبدأت الحرية العقلية تزول من العالم الإسلامي، وارتد الناس إلى جاهلية لا تقرها مبادئ الإسلام السليمة.
واستنادا إلى ما حدث في ذلك العهد ظن بعض المستشرقين، وبعض الجامدين من المسلمين، أن الدين الحنيف لا يقر حرية الرأي وحرية التعبير عنه، ولو أن هؤلاء رجعوا إلى الأدب الإسلامي شعره ونثره في عصر الأمويين وفي عصر العباسيين، وإلى الفنون التي ازدهرت على أيدي المسلمين الذين عاشوا أثناء تلك العهود، في بغداد وفارس وفي دمشق والقاهرة، وإلى ما كان منها في الأندلس، لرأوا نهضة في التفكير وفي التصور وفي تصوير الآراء والمذاهب والفنون، تدل على حرية لا تزيد عنها حريتنا اليوم في إبداء الرأي والتعبير عنه.
وفي عهد الانحلال الذي طرأ على الإمبراطورية الإسلامية كانت أوروبا المسيحية لا تعرف حرية الرأي، فلم تكن هذه الحرية تمر لأحد منها بخاطر، وفي هذا العهد لما تكن أمريكا قد اكتشفت.
وإنما بدأ الناس في أوروبا يثورون بالجمود الديني في القرن السادس عشر، ومع ذلك لم تعترف دولها بحرية الرأي قبل القرن الثامن عشر، وفي ذلك العصر الذي مهد له «فولتير» و«روسو» وأضرابهما في فرنسا، كان صاحب الرأي يحارب لرأيه، وكان يحبس أو ينفى من الأرض، وكان يضيق عليه في رزقه، ولم يتقرر هذا المبدأ على نحو صالح إلا بعد الثورة الفرنسية.
نامعلوم صفحہ