امبراطوریہ اسلامیہ
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
اصناف
ولست أشك في أن قيام العصبة على أساس من هذه المبادئ الواردة في القرآن الكريم، والتي أقرتها الأمم الديمقراطية العريقة في الحضارة في عصرنا الحديث، هو وحده الوسيلة الأكيدة لاستقرار السلام في العالم. على أن الإسلام والمسلمين كانوا يقدرون أن قيام عصبة للأمم على هذا الأساس الديمقراطي ليس من الأمور اليسيرة، وأن رضا الأمم جميعا بهذا النظام - عن طواعية واختيار - لا يتحقق إلا بعد عصور طويلة؛ لذلك قرروا مبادئ اتبعوها في الأزمان المختلفة، ثم خولفت في أزمان أخرى، تبعا لتطور الأحوال مما أشرنا إليه في الفصول السابقة.
ومن أهم المبادئ التي قررها الإسلام احترام العهود وعدم الإخلال بالمعاهدات، وهذا المبدأ أساسي في الحياة الدولية الإسلامية، حتى لقد ضحى المسلمون الأولون من أجله أكبر التضحية.
لما فتح رسول الله مكة كان العرب من مختلف الأديان يحجون إلى الكعبة، ويعتبرون ذلك من عباداتهم لآلهتهم، وإذ فرض الإسلام الحج إلى مكة، فقد أوحي إلى رسول الله ما اقتضاه أن بعث علي بن أبي طالب في موسم الحج يعلن إلى الناس بمكة أن البيت الحرام أصبح للمسلمين دون غيرهم، وأنه لا يصح لمشرك أن يحج بعد ذلك العام. مع هذا، ومع أن الأمر الذي نزل به من عند الله كان صريحا فيه، فقد اشتمل هذا الأمر على استثناء صريح للذين عاهدوا رسول الله من المشركين؛ لذلك قال علي حين أعلن للناس أنه لا يحج بعد ذلك العام مشرك، إنه من كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته. وهو في ذلك إنما نفذ قوله تعالى في سورة براءة بعد إنذار المشركين ومنعهم من الحج:
إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين .
ومن قبل ذلك عقد رسول الله عهد الحديبية مع أهل مكة، وكان من شروط هذا العهد أن من جاء محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا من رجال محمد لم يردوه عليه. وما كاد هذا العهد يوقع حتى أقبل أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين يريد أن يذهب معهم إلى المدينة بغير إذن أبيه، ومنعه أبوه، وجعل يجره ليرده إلى قريش، فنادى: «يا معشر المسلمين، الرد إلى المشركين يفتنونني في ديني.» وكان جواب رسول الله : «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين مخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم.»
وبعد زمن من ذلك، خرج أبو بصير من مكة إلى المدينة بغير إذن مولاه، فكتب أهل مكة إلى النبي يطلبون رده، فأمره أن يعود إلى قومه، وقال له: «يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصح لنا في ديننا الغدر، فانطلق إلى قومك.»
ولما تولى أبو بكر خلافة رسول الله فارتدت العرب، فانتصر خالد بن الوليد على مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، عقد خالد صلحا مع أهلها من بني حنيفة، ثم إنه جاءه أمر من أبي بكر يخالف نصوص هذا الصلح. ومع أن خالدا إنما كان يعمل بإذن أبي بكر، فإنه احترم المعاهدة التي عقدها مع أهل اليمامة، وأجاز أبو بكر تصرفه في ذلك، ورأى فيه ما يتفق ومبادئ الإسلام الأساسية. والأمثال على الوفاء بالعهد واحترام المعاهدات الدولية مستفيضة في تاريخ المسلمين.
أما في الحرب، فقد كان المسلمون متأثرين بالقواعد المقررة في عهدهم في مختلف البلاد، ومن بينها الإمبراطوريتان البيزنطية والفارسية. وأنت لا تستطيع في الحرب إلا أن تقابل عمل عدوك بمثله، أو على الأقل بما يزيل أثره.
على أن المسلمين قد وضعوا قواعد إنسانية سامية نفذتها جيوشهم في كل حالة، لم يضطرهم العدو فيها إلى الخروج عليها، من هذه القواعد ما ذكره أبو بكر في وصيته لجيش أسامة بن زيد، إذ قال: «لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله.»
وكتب أبو بكر في خاتمة كتاب بعث به إلى قائده المهاجر بن أبي أمية المخزومي، حين بلغه أنه مثل ببعض أعداء الإسلام: «إياك والمثلة في الناس، فإنها مأثم ومنفرة إلا في قصاص.»
نامعلوم صفحہ