ایمان و معرفت و فلسفہ
الإيمان والمعرفة والفلسفة
اصناف
من الأنبياء والمرسلين، ويبين في وضوح أنما كان يرسل الله لقوم رسولا بالهدى والبينات إذا فسق هؤلاء القوم وضلوا السبيل، واتخذوا من دون الله أربابا. ولقد كان مبعث الرسل - عليهم السلام - ينحصر في قسم ضيق من المعمورة المعروفة في ذلك الحين؛ لأن كثيرا من سائر الأقسام كان في درك من الهمجية فلا يستطيع أهله الوصول لإدراك ما في الأديان من معاني الإيمان، وكان الرسول يبعث بعد أن يحرف المتكلمون كلام الرسول الذي سبقه عن مواضعه، ويدخلون عليه من الأباطيل والخرافات ما يفسده ويضل تابعيه، وكان كل دين ينقسم إلى عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات. فأما العقائد فظلت واحدة في الأديان كلها: الإيمان بالله وبالروح وبالبعث. وأما العبادات فتحورت بعض الشيء بتسلسل الأديان وإن بقيت قريبة الشبه بعضها من بعض؛ فالصلاة والصيام والزكاة والحج تراها في اليهودية والنصرانية والإسلام مع فرق قليل أو كثير في الطقوس التي يقوم بها أهل كل دين عنها فيما يقوم به أهل الدين الآخر، والعقائد والعبادات فروض واجبة الأداء على كل متدين وإلا كان مقصرا في دينه وفي حق الله. والعقائد غير قابلة بطبيعتها للتطور؛ لأنها قائمة لما بين الفرد وربه غير متعلقة بالجماعة؛ وهي لذلك واحدة في الأديان جميعا. أما العبادات فهي وإن قامت بين الفرد وربه إلا أنها تتصل بالجماعة في أن الأفراد من أهل الدين الواحد يؤدونها لله وتيرة واحدة؛ وهي لذلك دليل على أن الفرد على دين الجماعة، ويمكن لها إذن أن تؤمن له.
وقد تناولت الأديان جميعا الأخلاق على خلاف بينها في الشدة والهوادة في الأمر بها أو النهي عنها، وإن جعلت المثوبة عليها والجزاء عنها في الدار الآخرة لا في هذه الدار الدنيا.
فأما المعاملات فاختلفت الأديان في مبلغ تناولها إياها. فمنها من لم يمسسها إلا مسا خفيفا كالمسيحية ف «لا تزن ولا تسرق» وما إليها من الأوامر المتصلة بعلاقات الناس بعضهم ببعض هي بعض ما يعتبر من المعاملات. لكن المسيحية لم ترتب على مخالفة هذه الأوامر عقابا دنيويا، بل رتبت عليها عقابا دينيا. أما اليهودية والإسلام فتناولا المعاملات أكثر مما تناولتها المسيحية؛ وإن كان تناولهما إياها لم يتعد الحدود والقواعد العامة؛ لأن المعاملات تتطور بتطور الجماعة. فوضع أنظمة محدودة لكل دقيقة وجليلة لا يتفق مع هذا التطور.
وهذه العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات مما اشتملته الأديان، إنما نزل به الوحي على الرسل من عند الله؛ وهي لذلك ثابتة في أصولها لا يصح أن تخضع لحكم التطور.
وكالأديان المنزلة سائر الأديان. فالبوذية والبرهمية وغيرهما تنقسم كل منها إلى عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات. وبعض هذه الأديان تحدث عن المعاملات أكثر مما تحدث عنه أي دين منزل.
ولقد يكون الإسلام بين الأديان المنزلة أكثرهم تنظيما للمعاملات، وإن كان ما ورد في القرآن الكريم عنها لم يتعد القواعد العامة كما قدمنا. وكان تنظيم المعاملات التي تعاقبت بعد انقضاء عهد الخلفاء الراشدين خاضعا لتطور الجماعات الإسلامية في حدود كتاب الله وسنة رسوله.
هذا وأما العلم الوضعي القائم على أساس الملاحظة والاستنباط، فيتناول ما يتناول من أمور الوجود لمعرفة السنن والقوانين العامة التي تحكم نظام الوجود. وقد اصطلح العلماء على تقسيم العلوم النظرية التي تتناول هذه السنن والقوانين تقسيما يتفق مع نظام تدرجها من العموم والبساطة. فما تناول من هذه العلوم كل الوجود كان أعمها وما لم يحتج إلى غيره من العلوم لاستنباط سننه وقوانينه كان أبسطها. وقد اختلفوا بعض الشيء في طريق التقسيم، ولكن خلافهم لا يؤثر في نظام تدرج العلوم وتبويبها بما يجني على هذه العلوم، أو يؤثر في سنن الوجود التي تقررها.
وأعم العلوم وأبسطها في نظر أوجست كومت الرياضيات، فهي في غير حاجة إلى أي علم آخر لاستنباط سننها، وهي تتناول الوجود وما فيه جميعا. ويلي الرياضيات في العموم والبساطة الفلك، فالطبيعة فالكيمياء فالفسيولوجيا فعلم الاجتماع. ويسير عليك إذا قرنت هذه العلوم التي تقوم عليها الفلسفة الواقعية (أو الوضعية) إلى ما جاءت به الأديان من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات، ثم قرنت أصل الدين وهو الوحي إلى أصل العلم وهو الملاحظة والاستقراء أن ترى اختلاف الميدان الذي يتناوله كل منهما، وأن تحكم بأن هذا الاختلاف لا يدع بينهما مجالا لخلاف، إلا أن يتحكك رجال العلم في تفاصيل ليست من أصول الدين وقواعده في شيء، أو أن يتحكك رجال الدين في تفاصيل ليست من أصول العلم وقواعده في شيء.
والمقارنة تظهرك كذلك على أن موقف الإسلام من العلم كموقف الأديان الأخرى سواء بسواء. فالعلم لا يمس العقائد والعبادات إلا على أنها مواضع درس وبحث كظاهرات اجتماعية قامت بين الجماعات الإنسانية منذ كانت الجماعات الإنسانية، من غير تعرض إلى ما تحتويه هذه العقائد والعبادات من حقيقة مطلقة أو غير مطلقة، بل العلم لا يقر المضاربات التجريدية فيما وراء الطبيعة مما كان يقيمه الميتافيزيقيون على أساس ما يسمونه منطق العقل وحده. وقد عقد هربرت سبنسر فصلا في المجلد الأول من مجلدات (فلسفته التوفيقية) وهو المجلد الذي جعل عنوانه (المبادئ الأولية)، وجعل لهذا الفصل عنوانا «ما لا يمكن العلم به
Un Knowable » تناول فيه الخلق والخالق، وأثبت بمنطق العقل المحض أن لهذا الخلق خالقا مستقلا عنه مريدا في خلقه قائما بتدبيره. ثم أثبت بمنطق العقل المحض أن هذا الخلق لا يمكن أن يكون له هذا الخالق المستقل عنه، وأن القوة والمادة ليستا منفصلتين ولا هما من جوهر مختلف، وأن العالم تديره سنن الضرورة. وأنت إذ تقرأ هذا الفصل الذي لخص فيه سبنسر حجج المؤمنين والطبيعين، تنتهي وإياه إلى أن منطق العقل المحض لا يستقيم معه الدليل العلمي في هذه المسألة وفي أمثالها، وأن هذه المسائل ليست إذن من تناول العلم، وإن العلم في غير حاجة لتناولها بالإثبات أو النفي، وإن تناولها كظاهرات للدرس والتبويب واستنباط السنن وقوانين الاجتماع.
نامعلوم صفحہ