ایمان و معرفت و فلسفہ
الإيمان والمعرفة والفلسفة
اصناف
لكنهم كانوا يرون في الواقع أشياء كثيرة تقف دون تعميم فكرتهم هذه وإطلاقها، فكثيرون يوجهون همتهم إلى جهة معينة ويريدون عملا معينا، ثم تراهم وقد أسقط في يدهم في كل ما أرادوا. كثيرون يريدون عيش التبتل ويعملون جهدهم له ولكن مصادفة منحوسة في اعتقادهم تقابلهم بامرأة تستغويهم وتضلهم سبيلهم. كثيرون يريدون عمل الخير للناس على نحو خاص، ويبذلون قصد الوصول إلى تحقيق غرضهم كل ما لديهم من الوسائل، ثم ينقلب سعيهم وبالا عليهم وعلى من يريدون به الخير لظروف خارجة عن إرادتهم وترتيبهم. وكثيرون لا همة لهم ولكن خطأ غير منظور يرفعهم إلى درجات العلى، ويخرج من بين أيديهم المعجزات. كان الكتاب الأقدمون يرون ذلك كله، ويشعرون بأنه يتفق مع فكرة الإرادة المطلقة الخارجة عن مادة الجسم المصرفة لحركاته وسكناته حسب تدبير خاص، فلا يستطيعون بغير الاتجاه إلى ضعف الإنسان وجهله تفسير عجزهم عن إطلاق فكرتهم على كل ما في الحياة، ووسيلة ذلك هي التسامح مع قوى خارجة عن الوجود وعن عالمنا؛ لتتداخل تداخلا غير منظور لنا وبالتالي غير معروف منا. وعن طريق هذه المداخلة من جانب تلك القوى تحدث هذه العجائب التي لا تسير على سنة، ولا يحكمها قانون. فصورا مداخلة الشيطان لإغوائنا في جهة الشر، وجعلوا أفعال الخير التي تصدر عنا أثرا من آثار الإلهام الإلهي ووحي خالق الروح والإرادة، فلما أحسوا أن مثل هذه المداخلة إذا أطلقت تصل إلى ملاشاة الإرادة، وملاشاة الإرادة تفسد عليهم فكرة المسئولية في الدنيا وفي الآخرة؛ لأن مبناها عندهم هو حرية الاختيار، جعلوا الرجل مريدا وغير مريد معا، وحكموا أنه مختار ومضطر في وقت واحد.
وبعد تقلب كثير في الأفكار والفلسفات، اطمأنت الأفكار إلى فكرة الاختيار النسبي لتضعها أساسا للمسئولية.
والاختيار النسبي هو افتراض الفرد مجبرا في مجموع حياته مختارا في جزئياتها. ولما كانت معاملاته مع الناس متعلقة بهذه الجزئيات كانت مسئوليته أمام أمثاله تامة؛ لأنه يتمتع بهذه المسئولية بحرية تامة.
2
ظاهر مما تقدم أن الأبحاث التي جرت في هذا الباب هي أبحاث تصويرية أكثر منها علمية، فإنها لا ترمي إلى تعرف حقيقة الإرادة، ثم بناء فكرة المسئولية عليها بل إلى الاعتراف بفكرة المسئولية، والإحساس بها واقعة ملموسة، وتلمس أسبابها في أنواع من الصور والخيالات أقامها الذهن الإنساني ليعتبرها مصدرا لتعليلاته المنطقية. ولا شك أن هذا الطريق هو طريق الحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها؛ لأنك لا تستطيع أن تميز في هذه الأبحاث تمييزا دقيقا واضحا هل فكرة المسئولية هي التي انتزعت من وجود الإرادة الحرة، أو أن فكرة الإرادة الحرة هي التي خلقت لتقوم دعمة المسئولية الموجودة والمحس بها. ولولا تقدم العقل الإنساني لبقينا في تيهاء غامضة يغشانا نور لا ندري أين مصدره.
والحقيقة عندنا أن الإرادة ليست قوة خارجة عن الجسم متعلقة بالروح؛ لأن الروح ليست شعاعا مستقلا عن الجسم على نحو ما كانوا يقولون، وإنما الحياة أثر تفاعل المواد المركب منها الجسم الإنساني بعضها مع بعض وتفاعلها مع المواد الأخرى في العالم، وهذا التفاعل هو مصدر كل القوى بما فيها الروح والإرادة.
وليس معنى ذلك أن الحركات والسكنات التي تصدر عنا ليس لها نظام خاص، أو أنا نحن لا نسير على ناموس في تصرفاتنا غير ناموس المصادفة البحت، بل إن كل حركة من حركاتنا أيا كان نوعها تصدر عن مركز خاص، لكنها قبل أن تصل إلى هذا المركز، ثم تصدر عنه تمر بأجهزتنا المختلفة وتتوزع بعد ذلك على حسب أنواعها على المراكز المعدة لتلقيها وإصدارها. وتصرف هذه المراكز في التلقي والإصدار تصرف آلي بحت؛ فالحركة العنيفة يصدر في المركز المقابل لها أثر عنيف يظهر في الخارج في هذه الصورة، والحركة الضعيفة قد تصل من الضعف بحيث لا يظهر لها في الخارج أثر على الإطلاق، وأثر الجسم ومراكزه المختلفة لا يختلف في شكله عن أثر التفاعلات الكيماوية في المعامل، ولا عما نراه في المواد غير الحية التي تقابلنا عرضا في الحياة. أنت تضغط قطعة من الخشب أو تجر خيطا في لعبة، فإذا يد اللعبة أو عيناها أو أسنانها تتحرك. وتضغط زرا أمامك فإذا جرس يدق بعيدا متأثرا بهزات الكهرباء ، وتضع المادة القلوية على ورق اللتموس، فتحوله من الحمرة إلى الزرقة. ثم تضع حامضا عليه بعد ذلك قتنقلب زرقته حمرة من جديد. في هذه الأحوال الثلاث يوجد تيار مختلف يحدث حركة ضعيفة. فالتيار الذي يحرك اللعبة هو تيار مادي صرف هو الخيوط أو الأسلاك التي تصل بعض أجزائها بالبعض الآخر. والتيار الذي يحرك الجرس تيار لا يمكنك أن تراه ولا أن تسمعه، ولكنك تحس به إذا لمست الأسلاك التي يسير فيها، ويصبح جزءا منها ما دام مصدره موجودا. والتيار الذي يحدث الانقلاب الكيماوي باختلاف المادة المضافة إلى اللتموس من قلوية إلى حمضية تيار غير محسوس بالكلية. ولكن يظهر لنا أثره كما سمعنا الجرس، وكما رأينا تحرك اللعبة، ولكنا لا نعرف سببه على النحو الذي عرفنا به سبب الأثرين الآخرين.
ثم أنت ترى عدسة الفتوغرافية تلقي الصور التي أمامها في لوح الزجاج (المصنفر)، إذا وضع على بعد معين منها مستعينا في إحداث هذه الصور بخيوط النور التي تصل ما بين الكائنات ولا تستطيع تعريفها. وتميز دقات التلغراف اللا سلكي في العدد المقابلة منقولة إليها بأثير الهواء وتموجات تياره. ونسمع من الفونوغراف أصواتا مضبوطة تظهر إلى الوجود من سير الإبرة فوق موجات أسطوانية. وكذلك تنقل هذه التيارات المحسوسة المعروفة أو غير المعروفة لنا آثارا معينة، هي نتيجة مرور صور معينة عن طريقها بآلات أو أجسام معينة.
مثل الإنسان في حركاته وحياته مثل هذه الآلات وتلك الأوتار، ولكن نظامه مركب دقيق يصل أحيانا إلى حد التعقيد، فيقف الفهم والتصور دون إدراك حقيقة بعض ما فيه بل دون الوصول إلى خيال يكاد يقنع المنطق الإنساني بمشابهته لهذه الحقيقة. في تلك اللحظات يرجع الرجل منا إلى ذلك الملجأ الحصين الذي طالما احتمى فيه آباؤنا الأقدمون، قبل أن ينير العلم بشعاعه الضئيل بعض أركان عالمنا الناقص الغريب. يلجأ إلى الغيب والقوة والقدرة الغائب عنا علمها، والتي لا تدنو منا لنتعرف شيئا من ماهيتها .
ولكن جهلك الشيء لا يدل على صدوره عن مصدر خارج عنه، وعن أشباهه ونظائره. بل كل ما يدل عليه أنك تجهله في حين أن غيرك ربما يعرفه أو في حين أن جيلا آخر ربما يصل لاكتشافه والوقوف على حقيقة أمره. ولئن بقي هذا الشيء غامضا أبد الدهر، فإن القوانين العامة التي تحكم العالم تكفي لتفسيره، ولو على طريقة الأخذ بأمثاله. وقد دل العلم على أن أشياء كثيرة كانت لا تزال بعيدة عن تصور الإنسان، ولكنه كان يدركها بإلهام خاص حين كان يردها إلى أشباهها ونظائرها إدراكا لم يكن بعيدا عن الحقيقة كثيرا.
نامعلوم صفحہ