ایمان و معرفت و فلسفہ
الإيمان والمعرفة والفلسفة
اصناف
وليس المراد هنا بالبسيكولوجيا تلك البسيكولوجيا الداخلية التي تستخدم الضمير الفردي وسيلة للبحث. فإن كومت لا يعترف بأية قيمة علمية لهذه الطريقة، كلا بل وهو ينكر إمكان وجودها. على أنه ولو أمكن للشخص أن يلاحظ نفسه لما أفاد ذلك شيئا فيما نحن بصدده. فإن هذه الملاحظة لن تبين له إلا عن الحال الحاضرة لعقله الفردي لا عن قانون تطور الذهن الإنساني. ولا سبيل لظهور هذا القانون إلا بالنظر إلى الجنس لا إلى الفرد، وذلك بأن يقلع الذهن عن إنفاق مجهودات عقيمة مرماها أن يشاهد بنفسه حركته؛ ليحيط بوجوه التقدم المتعاقبة التي تظهر فيما أنتج. والتاريخ الفلسفي لعقائدنا وتصوراتنا ومذاهبنا هو ذلك الضمير الذي يجب أن يجعله العقل موضع نظره. ففي هذا التاريخ لا في سواه يرى الفيلسوف القوى التي احتوى ذلك العقل جرثومتها تدخل في الحياة العملية واحدة بعد الأخرى، وكلها ترمي إلى «التناسق الدائم». فإذا ما وصلنا في ذلك لاكتشاف قانون الحالات الثلاث أمكن لنا أن نفهم التطور العقلي لكل فرد في طريقه. ومن ثم يزيدنا درس كل فرد زيادة في التحقق من صحة القانون. قال كومت: «مهما أكن قد أخذت من النظر إلى الفرد، فإن الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها نظريتي وما تلا ذلك من تكون هذه النظرية وتقدمها إنما يرجع مباشرة لأبحاثي المتعلقة بالمجموع».
فقانون الحالات الثلاث هو إذن الضابط العام لتقدم العقل الإنساني لا منظورا إليه في شخص فرد معين، ولكن في الشخص العام الذي هو الإنسانية.
وهو ذلك الشخص العام الذي درسه كومت في «نقد العقل المجرد ». لكن طريقته كانت طريقة مطلقة وميتافيزيقية صرفة، نظر فيها إلى الشخص العام الذي بحث عن قوانينه على اعتبار أنه العقل الإنساني «لذاته منظورا إليه من جهة ماهيته». لكن كومت يخالف ذلك كل المخالفة، ويتمثل الشخص العام كأنه وحدة مجسمة تتحقق على الزمن، ويرى أن بحث قوى الإنسان العقلية لا يصير وضعيا إلا إذا أخذ فيه من الجهتين التاريخية والاجتماعية؛ ولهذا كان اكتشاف قانون الحالات الثلاث حدثا عظيم الأهمية جاء مبشرا بالعلم الوضعي في تطبيقه على الإنسانية بشرى يعد تحققها الشرط الأساسي لقيام الفلسفة الوضعية. وإن هذا الاكتشاف تأكد فيه «كمال التماسك المنطقي» ببحث كل الظواهر على طريقة واحدة. وهذا القانون من قوانين الحركة الاجتماعية هو حجر الزاوية لكل المذهب الوضعي.
الفصل الثالث
المعرفة أساس إيمان المستقبل1
«إن ما لا نعرف من الغيب أبعد في حياتنا النفسية مدى مما نعرف من العلم.»
1
يضطرب العالم اليوم بشعور عام يبدو أثره في ظاهرات من الفوضى تارة، ومن الإباحية تارة أخرى، ويتمخض ثالثة عن ثورات اجتماعية أو اقتصادية غير معينة المطالب والنتائج. ويعزو الأكثرون هذا الشعور الذي ترتب على ما أحدثت الحرب الكبرى من انقلاب إلى اضطراب الدعائم الاقتصادية العالمية، سواء في البلاد التي اشتركت في الحرب اشتراكا فعليا أو في البلاد التي بقيت على الحياد في أثنائها. وكل الظواهر تعاون على الاقتناع بصحة هذا القول. فاضطراب العملة في البلاد المختلفة؛ وكساد كثير من الصناعات، وما نشأ عنه من مشكلة العطلة في كثير من الأمم، واختلاف وسائل النقل عما كانت قبل الحرب - كل هذه عوامل اقتصادية هي مصدر القلق العالمي الحاضر. والثورة البلشفية في روسيا ومساعيها المتصلة لتقلب العالم شيوعيا كله ليست إلا هدما للنظم الاقتصادية القائمة. وعلى هذا الأساس تعقد الدول المؤتمرات، وتسعى بمختلف الوسائل لتثبت نظم التبادل وإعادة الثبات الاقتصادي الذي ظل العالم مطمئنا إليه عصورا طويلة قبل الحرب. وهؤلاء الأكثرون يذهبون إلى أن العالم متى عاد إلى مثل حالته الاقتصادية السابقة على الحرب زال قلقه، وزالت منه الفوضى واطمأن إلى ما كان مطمئنا إليه من قواعد.
ولا ريب في أن الانقلاب الاقتصادي كان له أثر كبير في هذا الشعور العام. لكنا نعتقد أنه ليس العامل الأساسي الذي يتوقف كل شيء على تطوره، وإن هناك عاملا نفسيا ترتب هو الآخر على الانقلاب الذي أحدثته الحرب، ولا مفر من علاجه إذا أريد بالعالم أن تعاوده الطمأنينة. هذا العامل النفسي يرجع إلى عقائد الجماعات، وتقديرها قواعد الخلق، وبحثها عن مثل أعلى يكون مطمح الإنسانية الذي تشعر به وتجد لتحقيقه، فإذا اطمأن الناس إلى عقيدة اجتماعية عامة، وإذا تواضعوا على قواعد للخلق تتفق مع مظاهر حياة العالم في العصر الحاضر، وإذا عرفوا لأنفسهم مثلا أعلى، راجعت الإنسانية سكينتها وعادت للعمل في جد وسلام تضيء لها عقيدتها وأخلاقها المتعارفة، ومثلها الأسمى سبيلا مفيدا بعيدا عن الاضطرابات.
ربما كان السعي الجد لإعادة الطمأنينة الاقتصادية إلى العالم بعض وسائل الهدوء النفسي الذي تتلمسه الإنسانية اليوم فلا تجده. فقديما كان الاضطراب الاقتصادي سبب الحروب والثورات، وسبب المذاهب والعقائد الجديدة. لكن الطمأنينة الاقتصادية لم تكن يوما غاية اجتماعية لذاتها. إنما هي أبدا وسيلة لرخاء العالم رخاء يمكن له من المتاع بكل ما في الوجود من أسباب النعمة والسعادة. والنعمة والسعادة اللتان يدأب الإنسان في طلبهما غير يائس من الوصول إلى حظ قل أو كثر منهما، إنما يتعلقان بالنفس الإنسانية عند الفرد وعند الجماعة على السواء. والنفس الإنسانية ليست بحاجة إلى أن تترع بنعيم المادة لتنال حظها من السعادة. وإنما هي بحاجة إلى أن تكون فوق مستوى العوز المادي الذي يضطرها لإنفاق كل وقتها في السعي للعيش. وكل ساعة فراغ من هذا السعي تنالها هي سعادة مكسوبة إلى الحياة الإنسانية المتطلعة لمعاني الوجود العليا بمقدار ما تطبق النفس تصور هذه المعاني. والجماعة في ذلك كالفرد سواء بسواء.
نامعلوم صفحہ