وَإِنَّمَا سوغ النَّاس مقالتهم إِلَى عُثْمَان للينة فِي جَانِبه فاجترؤا عَلَيْهِ وَكثر فِي أَيَّامه من لم يصحب الرَّسُول وفقد من عرف فضل الصَّحَابَة ﵃ أَجْمَعِينَ.
فَإِن طعن الْمُخَالف بِأَن عُثْمَان ﵁ أخرج أَبَا ذَر إِلَى الربذَة.
قيل لَهُ: لم يكن ذَلِك من عُثْمَان نفيا، هُوَ أعدل وَأفضل من أَن يفعل بالأفاضل من الصَّحَابَة مَا لَا يسْتَحقُّونَ، أَو ينالهم بمكروه، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا من عُثْمَان تَخْيِير لأبي ذَر ﵁ لِأَنَّهُ كَانَ كثير الخشونة لم يكن يُدَارِي من النَّاس، وَكَانَ غَيره يُدَارِي، فخيره عُثْمَان ﵁ بعد أَن استأذنه فِي الْخُرُوج من الْمَدِينَة فَاخْتَارَ الربذَة ليتباعد نُزُوله عَن النَّاس ومعاشرتهم وَالدَّلِيل على ذَلِك:
٢٩ - ١٢٩ - مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاق بن حَمْزَة، حَدثنِي حَامِد بن شُعَيْب ثَنَا سُرَيج ... ثَنَا حُصَيْن عَن زيد بن وهب قَالَ: مَرَرْت بالربذة فَقلت لأبي ذَر ﵁: مَا أنزلك هَذَا الْمنزل؟ فَقَالَ: أخْبرك: إِنِّي كنت بِالشَّام فتذاكرت أَنا وَمُعَاوِيَة هَذِه الْآيَة: ﴿وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا﴾ الْآيَة.
فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذِه نزلت فِي أهل الْكتاب وَقلت أَنا: هِيَ فيهم وَفينَا، فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان ﵁ فِي ذَلِك فَكتب إِلَيّ أَن أقدم عَليّ، فَقدمت عَلَيْهِ. فانثال على النَّاس كَأَنَّهُمْ لم يعرفوني فشكوت ذَلِك إِلَى عُثْمَان.