(1) قوله أبو عبيدة؛ هو القاسم بن سلام الفقيه المحدث اللغوي البغدادي، قال الذهبي في التذكرة: من نظر كتب أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم، وكان حافظا للحديث، وعلله، عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا في اللغة، إماما في القراءة، مات بمكة سنة (224).
(2) قوله أحمد؛ هو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل البغدادي، مؤلف المسند المشهور وغيره، المتوفى سنة (241)، وترجمته مبسوطة في سير النبلاء للذهبي وغيره.
(3) قوله وابن الأنباري؛ هو أبو بكر محمد بن القاسم النحوي المحدث، كان من أفراد الدهر في سعة الحفظ مع الصدق والدين، وتصانيف كثيرة، مات ببغداد في ذي الحجة سنة (328). كذا في التذكرة.
(4) قوله: مفتي الحنابلة؛ قد لقيته في ذي القعدة سنة (1292) مرة بعد مرة، وترددت إليه غير مرة وجاء هو لملاقاتي في بيت إقامتي وأهدى إلي بعض الكتب، منها صحيح ابن حبان البستي، وكان ذا علم وسيع، وفهم رفيع، بالغ إلى أعلى مراتب التقوى، مرجعا لأرباب الفتوى، وكان كثير المحبة لتأليفات ابن تيمية وتلامذته، وقد كتبت إليه بعد وصولي إلى الوطن، وذلك في ربيع الأول في سنة (1293) رقعة بطلب الإجازة فأرسل إلي رقعته ووصفني فيها بصفات جميلة، وأجاز لي حسبما أجازه شيوخه، ثم بلغ إلي الخبر بوفاته في سنة (1295) فتحسرة على وفاته رحمه الله، وأفاض عليه سجال نعمته، ولننقل هاهنا عبارة إجازته ليستفيد منها حال أساتذته الناظرون، وينشط به الماهرون، قال رحمه الله: الحمد لله الذي لا يرد من دعاه، ولا يخيب من أمله ورجاه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، القائل أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد ورد علي كتاب كريم من المحب المخلص الأمين حسن الخلق، وشرف القيم، ذي الذهن الوقاد، والطبع السليم والسلوك الحسن، والمنهج القويم، والمشتغل بالتحصيل دائما، والتعليم والتأليف التي هي كالدر النظيم، لحسن نيته، وصفاء طويته، في سائر الأقاليم، العلامة الفهامة المولوي عبد الحي الفهيم، نجل الإمام الكبير المشهور، بالمولوي عبد الحليم، حفظه وأبقاه من كل سوء، قدر رقاه، وإلى أعلى مراتب الكمال رقاه، فإن آية في هذا الزمان، ونعمة من الله على نوع الإنسان، قد اجتمع به في العام الماضي حين قدومه لحج بيت الله الحرام، وزيارة نبيه سيد الأنام، فرأيت منه ما يملأ العين قرة، ويطعم القلب مسرة، من استحضاره للأحاديث النبوية، وتصوره للنصوص الفقهية، وتحقيقاته في أنواع العلوم، وتدقيقاته في المنطق والمفهوم، إلى خلق ما لطف من النسج، وعطر من الروض النسيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم، فطلب الحسن ظنه من الفقير إجازة ظانا أنه ممن حصل شيئا من العلم وحازه، ولم يدر أنه لم يعرف حقيقته، ولا سلك مجازه، حافي الرجل خلف العلماء في المفازة، والله إني أعتقد في نفسي أني لست أهلا لأن أجاز، فكيف بأن أجيز، ولكن الحال يخفى، ويشتبه الصفر بالإبريز، وحيث أن الرد جفى والطالب عزيز، تجاسرة بامتثال مرسومه الجليل، وأقدمت على صعود هذا الطود الذي رد هذا الطرف وهو كليل، فرواية الأكابر عن الصغار مألوفة، وطلب الإجازة من الأدنى معروفة، فأقول قد أجزت ابني المولوي المذكور بما تجوز لي روايته من تفسير وحديث وأصولين ونحو وصرف ومعان وبيان وغيرها بحق روايتي علماء أعلام، وإجازتي من جهابذة كرام، هم سرج الإسلام، والأدلاء إلى دار السلام، أعظمهم قدرا، وأكثرهم ذكرا، وأشدهم اتباعا للسنة النبوية، وأمدهم باعا في حفظ الأحاديث المروية، وأكثرهم لها قراءة وسردا وأوفرهم جمعا لكتبها وتتبعها، عدا العلامة المرشد الكامل السيد الظريف السني مولانا محمد بن علي السنوسي الحسني، وقد روى لي الحديث المسلسل بالأولية، أول تشرفه بطلعته السنية ثم لازمته مدة مديدة، وحضرت عليه سنين عديدة، وكان يقرأ صحيح البخاري في شهر، وصحيح مسلم في خمسة وعشرين يوما، والسنن في عشرين عشرين، مع التكلم على بعض المشكلات، ولا أعد هذا إلا كرامة له، وهو لها، ولأكبر منها أهل، ثم أجازني بجميع المسلسلات، وناولني كثيرا من كتب الحديث الشريف، وألبسني الخرقة بيده الشريفة، وكتب لي إجازة ما حواه ثبته المسمى بالبدور الشارقة في إثبات ساداتنا المغاربة والمشارقة، وهو في مجلدين، وكان أصله مالكي المذهب، ثم لما توسع في علوم السنة، رأى أن الاجتهاد متعين عليه، فصار يعمل بما ترجح من الأدلة، ويركن عليه، وأروى بالإجازة العامة عن خاتمة الحفاظ، وجهينة الأخبار، وسوق عكاظ، وعمدة المحدثين، وقدوة المفسرين، مولانا محمد عابد السندي نزيل المدينة المنورة، والمتوفى بها سنة (1257)، فإن الذي أقام فيها علم الإسناد، وانتهت إليه رحلة الطلبة من جميع البلاد، وقد أجاز لمن أدرك حياته، جميع ما تضمنه ثبته الكبير المسمى بحصر الشارد بأسانيد محمد عابد، وهو في مجلد، وأروى عن بقية السلف الصالح وعمدة كل فاضل وناصح ذي المنهج الأعدل سيدي، السيد محمد بن المساوي الأهدل، فقد قرأت عليه أوائل الحديث الشريف في منزله بالحسينية، خارج زبيد المحروسة، وكتب لي عليها إجازة تامة، أحسن الله جزاه في دار الكريمة بحق إجازته عن شيخه حافظ الزمن ببركة اليمن السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل بجميع ما تضمنته إجازته الكبرى المسماة ببركة الدنيا والآخرة، وأروى فقه إمامنا الأنبل، إمام السنة، أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل عن شيخه الصالح التقي النقي، الشيخ محمد بن حمد الهديبي التميمي الزبيري، نزيل الحرمين الشريفين، نيفا وأربعة سنة، المتوفى بطيبة الطيبة سنة (1261) عن مشايخ أجلاء، أكثرهم في العلوم تفننا، وألطفهم بالعالمين تحننا، العلامة المشهور، حامل لواء المذهب الحنبلي، الشيخ محمد بن عبد الله بن فيروز الإحسائي، نزيل البصرة الفيحاء، المتوفى بها، سنة (1216) المدفون بجوار ضريح سيدنا الزبير بن العوام، عن مشايخه المشهورين في إجازته وأثباته، وكذلك عن شيخنا الصالح العابد، القانت الخاشع الراكع الساجد، المرشد العارف، الورع الزاهد، الشيخ عبد الجبار بن علي البصري، نزيل طيبة الطيبة، والمتوفى بها سنة (1285) عن مشايخه الأعلام، أوسعهم علما وشهرة الشيخ مصطفى بن سعد السيوطي، الشهير بالرحيباني، الدمشقي، شارح غاية المنتهى بأربع مجلدات، وشيخ الحنابلة بأقطار الشام الجامع الأموي في دمشق، وابنه الفاضل الشيخ سعدي ناظره بعده، وهو عن خاتمة المحققين العلامة الشيخ محمد السفاريني، شارح عمدة الأحكام بمجلدين، وشارح ثلاثيات المسند وغيرهما من التأليف العديدة، بما تضمنته إجازته المسؤلة للعلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس، المتوفى بمصر سنة (1205) عن شيخه أبي التقى عبد القادر التغلبي، شارح دليل الطالب في الفقه الحنبلي، عن شيخه ورحلة عصره ومسند مصره العلامة عبد الباقي البعلي، بما تضمنه ثبته المسمى رياض الجنة في أسانيد الكتاب والسنة، وإجازته الحافلة للعلامة الأستاذ عبد الغني النابلسي، وملا إبراهيم الكوراني، وأروي بما ذكر، وعلوم العربية وجميع الآلات عن عضد الأصول، وعلامة المنقول والمعقول السيد محمود أفندي الآلوسي مفتي بغداد، مؤلف التفسير الكبير، المسمى بروح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، وعن إمام التحقيق في الجامع الأزهر، والمقرر لما يبيح القلوب ويبهر، مولانا إبراهيم السقا حفظه الله وأبقاه، وأروي عن غير هؤلاء أيضا، ولنقتصر على من ذكر فبهم يحصل إن شاء الله المرام، والعذر والعجلة وضيق الوقت عن الإتمام، فقد أجزت مولانا المذكور بجميع تفاسير القرآن العظيم، وسائر فنونه، وبكل كتب الحديث الشريف، وبقية رسومه، وبكتب العربية والمعاني والبيان، منطوقه ومفهومه، وبكل ما لي فيه إجازة، وأخذ وإعطاء من أحزاب وأوراد وأذكار وإرشاد بشرطه عند أهله، والمولوي المجاز، على المجاز بتقوى الله في السر والعلن، والدعاء إلى بحسب قدرته والحث على إتباع السنة النبوية وبثها في الأمة المحمدية، فإنها والله طريق النجاة في الدنيا والآخرة وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، فإن الدنيا فانية، ومن نام على ذلك فهو من البهائم، أو في الهوس والضلال هائم، وأن لا يبخلني من دعواته الصالحة كما أنا له كذلك، بما آتاه الله وشفاه وأدام توفيقه وكفاه، وجعله ممن يقتدي به في أمور الدين ويهتدي به إلى سلوك الحق اليقين. كتبه الحقير راجي رحمة ربه العلي عبد محمد بن عبد الله بن حميد الحنبلي، مفتيهم بمكة المشرفة، وإمام المقام بالمسجد الحرام، أدام الله صيانته مدى الآيام سنة (1293)، انتهى كلامه وأتم مرامه.
صفحہ 24