إلزام النواصب بإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام
صفحہ 69
وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
[والحمد لله الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، ونستعينه على هذه النفوس البطا [كذا، ولعلها: البطاء] عما أمرت به، الراع إلى ما نهيت عنه..] (1).
وبعد، فإنه يجب على كل بالغ (2) عاقل أن ينظر لنفسه قبل حلول رمسه، ويعمل ل * (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه) * (3)، [و] * (يوم لا
صفحہ 71
ينفع مال ولا * بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) * (1).
واعلم (2) إني رجل من أهل الكتاب، سألت الله الهداية إلى الصواب، فهداني الله (3) إلى دين (4) الإسلام - الذي أوجبه على جميع الأنام - دين محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام، فلما صرت منهم وفيهم، وصار لي ما لهم وعلي ما عليهم، جالست علماءهم، وصاحبت فضلاءهم، فرأيت بينهم اختلافا كثيرا، وتفسيقا وتكفيرا، حتى أنهم رووا عن نبيهم عليه الصلاة والسلام أنه قال: " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار " (5) فاجتهدت في
صفحہ 72
تفسير الفرقة الناجية التي عناه النبي المختار، لأفوز بالجنة وأنجو من النار، فرأيت نبيهم واحدا، وكتابهم واحدا، وقبلتهم واحدة.. وقد أجمعوا على وجوب الصلاة، والصيام (1)، والزكاة، والحج والجهاد (2) لمن استطاع إليه سبيلا.. فعلمت أن هلاكهم ليس بإنكار (3) شئ من ذلك، ورأيت بينهم الاختلاف (4) - الذي لا معه ائتلاف، والشقاق الذي ليس بعده اتفاق، والمحاربة التي ليس بعدها مصالحة (5)، والعداوة التي ليس بعدها مصادقة - في الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فرقة تقول: هو علي بن أبي طالب عليه السلام بالنص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويسمون: " الشيعة ".
وفرقة تقول: هو أبو بكر بن أبي قحافة، لاختيار (6) الناس له، ويسمون:
" السنة ".
فعلمت أن هذا الاختلاف هو أصل افتراق أمة محمد صلى الله عليه وآله
صفحہ 74
وسلم، لأنهم لو أتبعوا إماما واحدا - يهديهم إلى الحق، ويردهم عن الضلالة - لم يفترقوا ولم يهلكوا، فأشغلت الفكر (1) في معرفة أن (2) الحق مع أي الفرقين (3)، والفرقة الناجية مع (4) أي الحزبين؟ وعلمت أن كل قوم يدعون أنهم هم (5) الناجون، لقوله تعالى: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * (6) فلا بد من النظر الصحيح المؤدي إلى الحق (7) الصريح، وذلك يقتضي عدم الاعتماد على دليل لم يوافق الخصم عليه، لأن ما انفرد به أحد الخصمين لا يجب على الآخر التسليم له، ولا (8) الرجوع إليه، فما جعلت اعتمادي على ما أورده الشيعة من الأخبار الدالة على خلافة علي بن أبي طالب (ع) ولم يوافقهم عليه السنة (9)، ولا على ما أورده السنة مما يدل على خلافة أبي بكر ولم يوافقهم عليه الشيعة (10)، لحصول التهمة فيما أورده الصاحب دون ما أورده (11) الخصم، بل اعتمدت على ما (12) يكون مجمعا
صفحہ 75
عليه فيجب العمل به والرجوع إليه (1).
ثم نظرت أخبار السنة (2) وتتبعت آثارهم، فلم أجد لهم خبرا واحدا يدل على خلافة أبي بكر وصاحبيه، ولا وجدت خبرا واحدا يدل على الطعن على أحد من الأئمة الاثني عشر بشئ من الرذائل، بل يعتقدون عصمتهم ووجوب طاعتهم (3).
ثم نظرت أخبارهم (4) وتتبعت آثارهم، فوجدت أكثرها تدل على إمامة
صفحہ 76
علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، وتضمن مدحه نظما ونثرا، وتذكر فضائله شفعا ووترا..
ووجدت لهم أخبارا كثيرة تتضمن الطعن على أئمتهم، والقدح في إمامتهم..
ووجدت مذاهبهم في المعقول والمنقول مخالفة لحكم (1) القرآن ونص الرسول عليه وآله السلام..
ووجدت أصولهم تتضمن ظلم الباري تعالى، وتكذيب القرآن، وتتضمن حدوثه (2) تعالى وحلوله في المكان (3)، وتتضمن إبطال الشرائع والأحكام، وإفحام الأنبياء عليهم السلام من (4) رد جواب الخصام (5)..
ووجدت أخبارهم تتضمن تكذيب أئمتهم وتفسيقهم ومع ذلك يعتقدون خلافتهم، ويسلكون طريقتهم (6)..
ووجدتهم يقرون على أنفسهم بتغيير (7) الشريعة معاندة للشيعة (8)..
فتعوذت بالله من هذه المذاهب الفاسدة، ومن اتباع هذه الفرق المعاندة.
صفحہ 77
فلما ظهر لي (1) الحق الصريح بالنظر الصحيح، علمت أن الفرقة الناجية هم أتباع علي بن أبي طالب عليه السلام، والفرق الهالكة من (2) عداهم من مذاهب الإسلام (3)، ولا بد (4) من إيراد رسالة وجيزة من طرق الأخصام (5) تتضمن جميع ما ادعيناه في (6) هذا المقام، وليس لهم بحمد الله خلاص من هذا الالتزام (7) بما ذكرناه لك من الكلام إلا بتكذيب ما أوردوه في صحاحهم، أو بالتبري من أئمتهم وإطراحهم، ونقتصر على إيراد اليسير دون الكثير، لأن وجود البعرة تدل على وجود البعير، وسميت هذه الرسالة (8):
صفحہ 78
إلزام النواصب بإمامة (1) علي بن أبي طالب عليه السلام وهي (2) مشتملة على:
مقدمة...
وأبواب...
وفصول...
صفحہ 79
أما المقدمة (1):
إعلم أنه (2) قد (3) وقع الاتفاق - من المخالف والمؤالف - على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " افترقت أمة أخي موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار، وافترقت أمة أخي عيسى عليه السلام على اثنيين (4) وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار " (5).
صفحہ 81
فقد اتفق جماعة المسلمين على صدور هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصادق الأمين، فلا بد (1) من وقوع افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، وأن الناجي منها فرقة واحدة، والضرورة قاضية بأن كل فرقة تدعي أنها على الحق، وأنها الفرقة الناجية، والخبر الصحيح (2) - المجمع عليه - يدل على كذب (3) دعوى اثنين (4) وسبعين فرقة، وصحة دعوى فرقة واحدة، فإذا ثبت هذا فلا يجوز (5) أن يقال: جميع المسلمين على الحق! لأن النبي المبعوث بهذا الدين
صفحہ 82
جعل الحق مع فرقة (1) واحدة من ثلاث وسبعين، ولا يجوز التقليد (2) لفرقة دون فرقة أخرى، لأن ذلك ترجيح من غير مرجح، فوجب على كل عاقل النظر الصحيح في أديان المسلمين واتباع الحق المبين، وأن يعرض عن التعصب (3) لدين الآباء والأمهات، لأن ذلك يوجب الوقوع (4) في الهلكات، ولقد ذم الله تعالى التقليد (5) في كثير من الآيات (6).
قال الرجل الكتابي الذي هداه الله إلى الإسلام: لما وقفت على هذا الخبر المجمع عليه، ووقفت على كتاب (7) الملل والنحل لبعض علماء السنة (8)، وقد ذكر فيه فرق المسلمين من السنة والشيعة، فإذا هي عنده (9) ثلاثة وسبعين فرقة - كما تضمنه الخبر المجمع عليه - نظرت (10) في أصول فرق المسلمين وفروعهم، فرأيت الحق في فرقة من فرق الشيعة ، وهم القائلون: بإمامة اثني عشر إماما بالنص
صفحہ 83
الجلي من الله ورسول الله (1)، ومن الإمام المنصوص عليه، وهو (2): على ابن أبي طالب عليه السلام، ثم ولده الحسن الزكي، ثم الحسين الشهيد، ثم علي بن الحسين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي بن موسى (3) الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم الحسن العسكري، ثم القائم (4) المهدي صلوات الله عليهم أجمعين (5).
وبيان ذلك من طريق العقل: أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الناجي من أمته فرقة واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، دل العقل على أن الفرقة الناجية لا يشاركها غيرها من الفرق الهالكة في الاعتقاد من جميع الوجوه والاعتبارات، لأنه لو شاركها غيرها من كل الوجوه لحصل (6) الاتحاد، وكان الناجي أكثر من فرقة، وهو باطل للخبر المجمع عليه (7)، ولم أر (8) فرقة من فرق
صفحہ 84
الإسلام متحدة (1) باعتقاد - لا يشاركها (2) فيه غيرها من (3) جميع الوجوه - غير الشيعة الاثني عشرية، وهم القائلون بإمامة الاثني عشر (4)، فهم يفارقون جميع الفرق في الأصول والفروع..
ولا بد من إشارة خفيفة (5) إلى بيان اختلاف المذاهب، وبيان أصولهم وفروعهم (6)، ليعتبر المنصف العاقل، ويفرق بين الحق والباطل.
* * *
صفحہ 85
باب (1) في بيان اختلاف المذاهب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة (2) فصل (3) إعلم أن الأمة افترقت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة إلى ثلاث مذاهب، فرقة (4) قالت: الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
صفحہ 87
وسلم (1) علي بن أبي طالب بالنص من الله ورسوله، وهم (2) الشيعة، وفرقة قليلة - وقد انقرضت - قالت (3): الإمام [بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم] العباس بن عبد المطلب بالوراثة - وهم الراوندية (4) - لأنه وارث رسول الله صلى الله
صفحہ 88
عليه وآله وسلم (1).
وقال الجمهور من الناس: الإمام أبو بكر بن أبي قحافة، باختيار الناس له (2).
فأما السنة: - وهم الذين يقدمون أبا بكر - فقد اختلفوا في الأصول إلى قريب من ثلاث أو أربع (3) وأربعين فرقة، ذكرهم صاحب الملل والنحل (4) - من علماء السنة -، ولم يختلفوا في الإمامة إلى عصرنا هذا، بل يقولون: إن (5) الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم من بعده (6) عمر، ثم (7) عثمان، ثم علي بن أبي طالب عليه السلام، وهؤلاء الأربعة (8) هم الخلفاء الراشدون.
قالوا (9): ثم وقع الاختلاف بين الحسن بن علي عليهما السلام وبين معاوية بن أبي سفيان ثم صالحه، فاستقرت الخلافة إلى معاوية (10)، ثم من بعده لبني أمية، ثم
صفحہ 89
لبني مروان، حتى (1) انتهت الخلافة إلى بني العباس، وأجمع أكثر أهل الحل والعقد (2) على ذلك حتى جرى عليهم ما جرى في زمان هؤلاء (3).
وأما الشيعة: - وهم القائلون بتقديم علي بن أبي طالب عليه السلام (4) - فقد افترقوا إلى نحو (5) ثلاثين فرقة، ذكرهم صاحب الملل والنحل (6) وأكثرهم قد انقرض (7)، وجمهورهم الباقي إلى هذا الزمان، الإمامية الإثنى عشرية، القائلون بإمامة علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين العابد (8)، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن العسكري، ثم القائم المنتظر (9) المهدي - الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا -، وأن الإمامة منحصرة في هؤلاء الاثني عشر إماما، وأنهم معصومون كالأنبياء عليهم السلام.
صفحہ 90
وأما (1) الباقي من فرق الشيعة إلى هذا الزمان: الزيدية (2)، وهم (3) القائلون:
بإمامة علي بن أبي طالب، ثم ولده (4) الحسن، ثم الحسين عليهم السلام بالنص الجلي، وأثبتوا باقي أئمتهم بالنص الخفي، ولم يشترطوا في الإمام (5) العصمة (6)، واشترطوا كونه عالما (7) بشريعة الإسلام ليهدي الناس إليها، وكونه زاهدا لئلا يطمع في أموال المسلمين (8)، وكونه شجاعا لئلا ينهزم (9) في الجهاد، وكونه فاطميا (10) - من فاطمة عليها السلام - وكونه داعيا إلى الله تعالى (11) وإلى دين الحق، ظاهرا شاهرا سيفه في نصرة دينه.
صفحہ 91
وقالوا: قد نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الأئمة بعده كل (1) من اجتمعت فيه هذه الشرائط الخمسة فهو إمام مفترض الطاعة، وذلك هو النص الخفي عندهم، ولم يشترطوا في الحسن والحسين عليهما السلام إشهار السيف، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " (2).
ولم يقولوا بإمامة زين العابدين عليه السلام لأنه لم يشهر السيف، وقالوا بإمامة ابنه زيد بن علي (3) لأنه شهر (4) السيف وإليه ينتسبون (5)، وجوزوا خلو الزمان من إمام (6)، وجوزوا قيام إمامين في بقعتين متباعدتين إذا اجتمع فيهما الشرائط المذكورة (7)، ولم يحصروا الإمامة (8) في عدد معين، بل كل من اجتمعت فيه الشرائط المذكورة كان هو الإمام، وأصولهم أصول المعتزلة، وفروعهم فروع
صفحہ 92