الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله صحبة أجمعين وبعد فهذه جملة من أخبار الطائفة القائمة بالملة الإسلامية ببلاد الحبشة المجاهدين في سبيل الله من كفر به وصد عن سبيله تلفيتها بمكة - شرقها الله تعالى = أيام مجاورتي بها في سنة شسع وثالثين وثمانمائة من العارفين بأخبارهم والله أساله التوفيق إلى سواء الطريق بمنه و كرمه.
ذكر بلاد الحبشة (اعلم) أن بلاد الحبشة أولها من جهة المشرق المائل إلى جهة الشمال بحر الهند المار من باب المندب إلى بلاد اليمن وفيها يمر نهر حلو يقال له سيحونا يرفد نيل مصر وجهة الحبشة الغربية ينتهى إلى بلاد التكرور مما يلي جهة اليمين, وأولها مفازة بمكان يسمى وادي بركة يتوصل منه إلى سحبرت: وكانت سحبرت مدينة المملكة في القديم, ويقال لها: "أخشرم"« ويقال لها أيضا: نهر فرتاء وبها كان النجاشي م إقليم أمحزا وهو الأن مدينة المملكة. وتسمى أيضا مر عدى ثم إقليم شاوه
صفحہ 77
ثم إقليم داموت ثم إقليم المنان ثم إقليم السهنو ثم إقليم الرنج ثم إقليم عدل الأمراء ثم إقليم حماسا ثم إقليم باريا ثم إقليم الطراز الإسلامى الذى يقال له الزيلع ولكل إقليم من هذه الأقاليم الأثنى عشر ملك: والكل من تحت يد الحطى ومعناه بالعربية السلطان وتحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو تمام المائة الأ أن بلادهم غير مشهورة عندنا وجميع بلاد الحبشة تزرع على المطر في السنة مرتين فيحصل لهم في السنة الواحدة مغلان وإن كثر عندهم نزول المطر وقعت الصواعق: وعندهم أشجار كثيرة منها ما تظل الواحدة منهن مائتي فارس فمن أشجارهم شجر وعندهم الفنا وهو نوعان: صامت ومجوف« ولهم منابت ال تعرف بأرض مصر وال الشام وال العراق وعندهم معدن الحديد ومعدن الذهب, ويوجد في بعض بلادهم معدن الفضة, وتعظم عندهم الحيات بحيث تقوم الحية بأعلى الجبل فتصير في الجو شبه قوس قزح في عظمها ال في الون.
أخبرني ثقة أنه شاهد ذلك وعندهم سحرة يمنعون الريح أن تهب فيأمر الحطى بهم أن يضربوا فال يزال يضربون حتى تهب الريح فيذروا عليها غلالهم وعندهم دجاج الحبش وهو برى: ولهم دجاج مائي يخرج هو والبط من بركة ماء في إقليم هدية من بلاد الزيلع: وهو يتولد من هذا الماء.
صفحہ 78
والبد للحبشة من مطران يوليه بطريق النصارى اليعاقبة من مصر بعد سؤال الخطى لسلطان مصر في ذلك بكتاب يبعث بصحبة مرسلة هدية. فيتقدم البطريق بتعيين مطران لهم. والحبشة قوم يدينون بالنصرانية من ويعتقدون مذهب اليعقوبية وهم يتشددون في ديانتهم تشددا زائدا ويعادون من خالفهم من سائر الملل أشد عداوة ويعادون الطائفة من النصارى بحيث أخبرني من دخل منهم إلى بلاد الحبشة أنه أظهر بها أنه يعقوبى خوفا من القتل لو علموا أنه ملكي.
والحبشة تسكن بيوتا من قش تطلى بأحشاء البقر. ويأكلون اللحم نيئا حتى لقد أخبرني من شاهد الحطى داود بن سيف أرعد يأكل كرش بقرة نيئا وما فيه من بقايا الفرث يسيل على حنكه« وشاهد رجال يأكل دجاجة وهى تصيح: وهم عراة الأبدان ال يكادون يعرفون لبس المخيط بل يرتدون ويتزرون في أوساطهم وليس للحطى ديوان لكنه إذا خرج للغزو أمر جنده فألقى كل منهم حجرا في موضع يعينه لذلك, فإذا رجع
صفحہ 79
من غزواته أخذ كل واحد من العسكر حجرا فما فضل من الحجارة علموا به عدة من هلك منهم.
فلما ملك الحطى داود بن سيف أرعد سنة اثني عشرة وثمانمائة أقيم بعده ابنه تادرس فهلك سريعا وأقيم بدله أخوه إسحاق بن داود بن سيف أرعد ورأيت من يسميه أبرم ففخم أمره, وذلك أن بعض المماليك الجراكسة ممن كان زركاشا بديار مصر قدم عليه وأقام عنده وعمل له زردخانات عظيمة تشتمل على الأت السالح من السيوف والرماح والزرديات ونحو ذلك وكانوا من قديم إذا الح لهم الحراب يرمون بها.
وقدم عليه من أمراء الدولة بمصر شخص يقال له الطنبغا مفرق ترقى حتى ولى بعض بلاد الصعيد ثم فر إليه وكان يعرف من أبواب اللعب بالأت الحرب ومن أنواع الفروسية أشياء فحظي عند الحطى وعلم عساكره رمى النشاب واللعب والضرب بالسيف وعمل لهم النقط فعرفوا ساعات الحروب.
وقدم عليه أيضا من قبط مصر نصرائي يعقوبى يعرف بفخر الدولة فرتب له المملكة وجبى له الأموال فصار ملكا له سلطان وديوان بعد ما كانت مملكته ومملكة آبائه همجا ال ديوان لها وال ترتيب وال قانون فانضبطت عنده الأمور وتميز زيه عن رعيته بالملابس الفاخرة بعد ما كان داود بن سيف أرعد يخرج عريانا وقد عصب رأسه بعصابة
صفحہ 80
خضراء فصار إسحاق يمر في موكب جليل بشارة الملك حتى لقد أخبرني من رآه وهو راكب فرسه وقد مر في موكبه وبيده اليمنى صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه بكفه ووضعها على وطرفا الصليب بارزان عن يده بروزا كثيرا.
فلما تحضرت دولته وقويت شوكته وسولت له شياطينه أن يأخذ ممالك الإسلام فأوقع بمن تحت يده في ممالك الحبشة من المسلمين وقائع شنيعة طويلة قتل فيها وسبى واسترق عالما ال يحصيه الأ خالقه سبحائه: وزالت دولة المسلمين من هناك - كما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى - ثم كتب إلى ملوك الإفرنج يحثهم على ملاقاته إلزالة دولة الإسلام( وواعدهم على ذلك, وأخذ في تمهيد مابينه وبين البلاد الإسلامية واستجلاب العربان إليه فعاجله الله تعالى بنقمته وأهلكه عقب ذلك في ذي القعدة سنة ثالث وثالثين وثماني مائة.
وسلط على أمحرة الملك جمال الدين بن سعد الدين فاوقع هم وقائع وأفني منهم أمما وأسر منهم عوالم مالت أقطار الأرض يمناء وهنداء وحجازا ومصرا وشاما وروما.
وقد أقيم بعد إسحاق المذكور ابنه اندراوس فهلك بعد أربعة أشهر من واليته وأقيم بعده عمه حربناى بن داود بن سيف أرعد فلم تطل
صفحہ 81
أيامه وهلك في شهر رمضان سنة أربع وثالثين, فأقيم عوضه سلمون ابن إسحاق بن داود فهلك سريعا فكان للحبشة في سنة أو نحوها أربعة ملوك وتوالت حروب المسلمين فيهم تقتل وتأسر وتسبى وتحرق وتغنم. ثم فشا في عامة بلاد الحبشة وباء عظيم شنيع في سنة تسع وثالثين وثمانمائة وهلك فيه الحطى وعالم عظيم حتى قيل إنه قد خلت البلاد لموت أهلها والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ذكر بلد الزيلع (اعلم) أن بلاد الزيلع كما تقدم من جملة أراضى الحبشة وعرفت بقرية في جزيرة بالبحر يقال لها وطول أرض الزيلع برا وبحرا نحو شهرين وعرضها أكثر من شهرين الأ أن غالبها قفار غير مسكونة, ومقدار العمارة مسافة ثلاثة وأربعين يوما طوال في عرض أربعين يوما.
وتنقسم إلى سبع ممالك وهى: أوفات ودوار, وأرابينى، وهدية، وشرخا وبالى ودارة. ولكل مملكة من هذه الممالك السبع ملك ويتسلط عليهم جميعا الحطى ملك أمحرة يأخذ منهم القطيعة من المال في كل سنة وهى قماش وغيره, وهى ممالك ضعيفة قليلة المتحصل وفيها المساجد والجوامع التي تقام بها الجمعة والجماعة. وعند أهلها محافظة على الدين, ويقال لها الجبرت وهى بلاد حارة وبيوتهم من طين وحجر وخشب وليس بها أسواق وال فخامة لأمورهم.
صفحہ 82
ومملكة أوفات طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرين يوما كلها عامرة بالقرى والأسواق والأسعار بها رخيصة. أخبرنى الشيخ المعمر الأديب الشاعر شهاب الدين أحمد بن عبد الخالق بن محمد خلف ابن محمد المجاصى المغربي الجوال في الأرض - رحمه الله - قال: رأيت بمدينة أوفات أيام عمارتها الوز يباع كل عرجون بربع درهم فيه نحو مائة وزة ورأيت اللحم يباع كل طابق وهو ثلاثون رطلا بدرهم ونصف وملك أوفات يحكم على الزيلع.
وغالب أهلها شافعية المذهب وكثر فيهم لعهدنا الحنفية وكالم أهلها بلغة الحبشية ويتكلمون أيضا العربية, ولهذه المملكة عدة مدن وملكها يجلس على كرسي ويركب بالجتر والطبل والزمر وعندهم الفواكه وقصب السكر ولهم منابت ال تعرف بمصر والشام منها شجرة يقال لها جات ال ثمر لها يؤكل ورقها وهى تشبه أوراق شجر النارنج وهى تزيد في الذكاء وتذكر المنسيات وتفرح وتقلل شهوة الأكل والجماع« وتقلل النوم, ولأهل تلك البلاد في أكل هذه الشجرة رغبة كبيرة ال سيما أهل العلم: ويجلب إليها الذهب من داموت وسحام وهما معدنان ببلاد الحبشة وبه معاملاتهم.
ومملكة دوارو طولها خمسة أيام في عرض يومين, وأهلها حنفية المذهب ومعاملاتهم بالحديد تسمى الواحدة من تلك الحدايد حنكة بفتح الحاء المهملة وضم النون والكاف وهى طول الأبرة في عرض ثلاثة إبر فتباع البقرة بخمسة الأف حنكة. والرأس الغنم بثلاثة الأف حنكة.
وهى مجاورة لأوفات.
صفحہ 83
ومملكة أرابينى طولها أربعة أيام وعرضها كذلك. وأهلها حنفية« وهى تلي دوارو وهم كأهلها في المعاملة وغيرها.
ومملكة هدية طولها ثمانية أيام وعرضها تسعة أيام وملكها أكثر الجميع عسكرا وزيهم كزى أهل أرابينى حتى المعاملة, وإليها تجلب الخدام الخصيان الذين يعرفون بأرض مصر بالطواشية وأحدهم طواشي فإن صاحب أمحرة يمنع من خصي من العبيد ويشتد في ذلك فتأتى بهم السراق إلى مدينة وشلو وأهلها همج ال دين لهم فتخصى بها العبيد« فإنه ال يوافق على ذلك في جميع بلاد الحبشة سواهم يحمل من يخصى إلى مدينة هدية فتعاد عليهم المواسى مرة ثانية حتى ينفتح مجرى البول فإنه يكون قد انسد بالقيح ثم يعلاجون حتى يبرأوا لذرية أهل هدية بذلك وقل من يعيش من الخصيان ألنهم يحملون إلى هدية من غير علاج.
ومملكة شرخا طولها ثلاثة أيام في عرض أربعة أيام: وأهلها حنفية ومملكة بالى طولها عشرون يوما في عرض ستة أيام, وهى أكثر بلاد الزيلع خصماء ومعاملاتهم بالأعواض غنما ببقر، وبقرا بثياب ونحو ذلك وأهلها حنفية.
ومملكة دارة طولها ثلاثة أيام في عرض ثلاثة وهى أضعف ممالك وأهلها حنفية وهم أيضا يتعاملون ب وجميع ملوك هذه الممالك إنما هم نواب عن الحطي ال يقيمهم الأ هو ويجاور هذه البلاد ناصع وسواكن ودهلك وأهلها مسلمون, وألسنة ممالك الزيلع لغات مختلفة تبلغ زيادة عن خمسين لسانا وكلهم يكتب بالقلم الحبشي
صفحہ 84
وكتابتهم من اليمين إلى الشمال وعدة حروف هذا القلم ستة عشر حرفا لكل حرف سبعة فروع جملة ذلك مائة واثنا عشر حرفا سوى حروف أخرى مستقلة بنواتها ال تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة مضبوطة بحركات متصلة بالحرف ال منفصلة عنه.
هكذا كان ترتيب هذه البلاد ومنها ما بقى ومنها ما زال بزوال الدول وقيام دول سواها سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
صفحہ 85
ذكر الدولة القائمة مهاد النصارى من الحبشة (اعلم) أن هذه الدولة قام بها قوم من قريش فمنهم من يقول: "هم من بنى عبد الدار ومنهم من يقول: "إنهم من بنى هاشم ثم من ولد اليوم بجبرت وهى من أراضى الزيلع واستوطنوها وأقاموا بمدينة أوفات وعرف جماعة منهم بالخير واشتهروا بالصالح إلى أن كان منهم عمر الذى يقال له لشمع واله الحطى مدينة أوفات وأعمالها فحكم بها مدة طويلة وصارت له بها شوكة قوية وشكرت سيرته حتى مات, وترك أربعة أوالد أو خمسة ملكوا أوفات من بعده واحدا بعد آخر منهم بزو ومنهم حق الدين الأول حتى كان أخرهم صبر الدين محمد بن نجوي بن منصور بن عمر ولشمع: فملك أوفات في حدود سنة سبعمائة من سني الهجرة وطالت مدته.
فلما مات قام بعده ابنه على بن صبر الدين محمد بن عمر ولشمع اشتهر ذكره في البلاد وخرج عن طاعة الحطي ثم عاد إليها فإن أهل البادية لم توافقه بل خالفت عليه. فولي الحطي سيف أرعد ابنه أحمد ويعرف بحرب أرعد بن على بن صبر الدين محمد بن عمر. ولشمع على مدينة أوفات وأعمالها وقبض على وأنزله عنده بمكان هو وأولاده فأقام على صبر الدين عند الحطي نحو ثماني سنين ثم رضي عليه و أعاده إلى واليته على مدينة أوفات وطلب ابنه ابن على فملك على أوفات ثانيا وقد سار ابنه أحمد إلى حرب أرعد إلى الخطي فألزمه أن يقيم ببابه فأقام في خدمته وولد له هناك ثلاثة أوالد منهم سعد الدين
صفحہ 86
محمد ثم إن الحطي رضي عليه وكتب إلى أبيه على يأمره أن يوليه موضعا من أعمال جبرت فامتثل ذلك وواله عمال من أعماله: فسار إلى ذلك العمل وأقام به مدة إلى أن قتل في بعض حروب رعيته.
فأقام في موضعه أخوه أبو بكر بن على , وكان أحمد حرب أرعد قد ترك بمدينة أوفات ولدا يقال له حق الدين قد اشتعل بطلب العلم: وسار مطرح الجانب لاعتراض جده على بن صبر الدين عليه وهجره إياه مع معاداة عمه مال أصلح بن على له العداوة الشديدة ومقته المقت الزائده ثم إنه أخرجه من مدينة أوفات إلى بعض أعمالها وألزم والى تلك الجهة أن يهنيه ويستخدمه فأخرجه والى الجهة إلى جباية مال بعض النواحي فأخذ عندما سار إلى ما وليه في تدبير أمره وأحكام عمله وجمع الناس عليه حتى قوي جانبه وأظهر الخالف على من واله فحاربه فانتصر عليه حق الدين وقتله وغنم ما كان معه وضم إليه ما كان معه من المقاتلة وبذل لهم المال فقامت قيامة عمه أصفح وكتب إلى الحطي يخبره الخبر ويطلب منه النجدة لمحاربته.
- فأمده الحطي سيف أرعد بعسكر يقال إن عدتهم ثلاثون ألفا فلقيهم حق الدين فقاتلهم قتالأ شديدا أيده الله عليهم حتى قتل منهم خلقآ كثيرأ وغنم ما معهم وهزم عمه وقد شهد الواقعة فسار في هزيمته إلى الحطى فبعث معه عساكر عظيمة جدا فتلقاهم حق الدين وقاتلهم فقتل عمه مال أصفح بن على بن صبر الدين محمد بن عمر ولشمع واستأصل حق الدين العساكر فلم ينج منهم الأ القليل وغنم ما وسار إلى مدينة أوفات وبها جده على بن صبر الدين وقد اشتد حزنه
صفحہ 87
على ولده مال أصفح فإنه كان أعز ولده عنده وكان هو القائم بأمر الدولة وتدبير الأمور وتزايد مع ذلك حنقه على حق الدين وبغضه إياه الأ أن ضرورة الحال اقتضت كفه عنه لعجزه عن مقاومته فتأدب حق الدين مع جده وأقره على والية أوفات فأمده عند ذلك بمال حمله إليهه وسار حق الدين بمن معه عن أوفات: وأخرج معه أيضأ أهلها بعيالاتهم ونزل أرض شوه وبنى هناك مدينة سماها وحل: وأنزل بها أهل أوفات وجعلها دار مملكة فتلاشت من حينئذ مدينة أوفات وأضيعت حتى خربت وكان حق الدين هذا أول من خالف من أهل بيته على الحطي ملك أمحرة من الحبشة الكفرة وخرج عن طاعته. وهو أول من استبد منهم بالأمر وما زال يحارب الخطي وعساكره ويأسر منهم ويغنم إلى أن مات الخطى سيف أرعد.
وقام من بعده بأمر الحبشة ابنه الحطي داود وهو داود بن سيف أرعد فاستمر حق الدين على محاربته إياه - والله يؤيده بنصره - على أمحرة بحيث إنه كانت لهم فيهم بضع وعشرون واقعة في مدة تسع سنين آخرها أنه سار إليهم وقاتلهم قتالأ شديدا استشهد فيه سنة ست وسبعين وسبعمائة في أرض شوة ولم يوجد مع القتلى, وكان مدة سلطته نحو عشر سنين, وكان شجاعا مقداما قوى النفس عجولا مهابا.
وقام من بعده أخوه سعد الدين أبو البركات محمد بن على بن صير الدين محمد ولخوى بن منصور بن عمر ولشمع فمضى على سيرة أخيه حق الدين في جهاد أمحرة الكفرة لكن بتؤدة وسياسة حسنة فكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته. فقاتل مرة في اثنين
صفحہ 88
وسبعين فارس فكسرهم ثم ظفر به العدو بعد ذلك في موضع يقال له أهبزة وربطوه وساقوه إلى كبيرهم فأدركه أحد فرسانه وقاتل من كان معه جى خلصه من أيديهم وأركبه فرسه: ورده إلى أصحابه فجمعهم وجد في جهاد أمحرة ولقى أمن مرفى من أمراء الحطي وأسر من معه حتى أبيع كل عبدين من الأسرى بتفصيله« ومضى من فوره إلى زلان وفتح تلك البلاد وغنم أموالها فبلغت حصة السلطان لخاصة نفسه أربعين ألف بقرة فرقها بأجمعها على الفقراء والمساكين وعلى العسكر حتى لم يجد ما يأكله إلى أن أطعمته إحدى زوجاته, وحصل لسليم بن عبان زوج ابنته اثنتا عشرة ألف بقرة, فأمره أن يخرج منها زكاتها فامتنع فتغير عليه فأرسل الله تعالى عليه الكفرة فأخذوه وما معه. فلم يفلت منهم سوى زوجته ابنة سعد الدين بحيلة تداركها الله فيها بلطفه.
وغزا أيضا بلاد تسمى زمدوة في أربعين فارسا وبها من الكفرة أعداد ال تحصى فكانت بينهم وبينه قتلة عظيمة نصره الله فيها نصرأ عزيزاء وغنم ما ال يدخل تحت حصر وغزا بالى وأمحرة في عشرة أمراء مع كل أمير منهم عشرة الأف وهو في خمسين فارساء وجميع من معه ال يبلغون عدة أمير منهم, فعندما تلاقى الجعمان توضأ هو وأصحابه وصلوا ركعتين, وسأل الله تعالى النصر وهم يؤمنون على دعائه ثم ركب بمن معه وقاتلهم فهزمهم الله ونصره عليهم فقتل وأسر منهم عددأ ال يحصى بحيث بقيت رءوس القتلى ملء الأرض ال يجد المار موضعا يمر به الأ عليهم, وكان بينه إذ ذاك وبين بلاده مسافة اثنا عشر يومآ فعاد منصورا غانما وعاد مرة من أصحابه رجل يقال له أسد في أربعين
صفحہ 89
فارسا فلقيه أمير من أمراء الحطى يقال له زلن حش في خمسين فارسا البسين آلة الحرب ومعه من العسكر للراكبين الخيل "عرب" عالم كبير فكان مشهورا بالقوة والشجاعة فاقتتل الفريقان أعظم قتال وأشده. فقتل الله اللعين ونصر المسلمين نصرا مؤزرا وغنموا غنائم عظيمة.
فجمع الحطى أمحرة ونزل إلى بلاد المسلمين فلقيه أمير اسمه محمد في ستة فرسان ونحو ألف راجل فقاتلوا قتالأ عظيما استشهد فيه الأمير محمد ومن معه ولم يسلم منهم سوى فارس واحد فجرد الحطى أميرا يقال له باروا فلقيه سعد الدين بنفسه ومعه الفقهاء والفقراء والفالحون وجميع أهل البلاد وقد تحالفوا جميعا على الموت, فكانت بينهما وقعة شنيعة استشهد فيها من المشايخ الصلحاء أربعمائة شيخ كل شيخ منهم له كازو تحت يده من الفقراء المساكين عدد عظيم فاستمر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانكسر من بقى ومر سعد الدين على وجهه وأمحرة في إثره يتبعه حتى التجأ إلى جزيرة زيلع في وسط البحر فحصروه بها ومنعوه الماء إلى أن دلهم من ال يتقى الله على الوصول إليه فلما وصلوا إليه قاتلهم فأصيب في جبهته بعد فقده الماء ثلاثة أيام فخر إلى الأرض فطعنوه فمات - رحمه الله - وهو يتشهد ويضحك وذلك في سنة خمس وثماني مائة وقد ملك نحوا من ثالثين سنة وكان رجال صالحا.
وفى أيامه مات جده على بن صبر الدين في سجن الحطى بعد ما قام مسجونا نحو الثالثين سنة ولما قتل سعد الدين ضعف المسلمون بموته واستولى الحطى وقومه أمحرة على البلاد وسكنوها وبنوا بها
صفحہ 90
الكنائس وخربوا المساجد وأوقعوا بالمسلمين وقائع نزل بهم فيها من القتل والأسر والسبي والأسترقاق مالأ يمكن التعبير عنه مدة عشرين سنة وكان أوالد سعد الدين قد فروا إلى بر العرب وهم عشرة أكبرهم صبر الدين على فأكرمهم الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل ملك اليمن وأنزلهم ثم وقاد لهم ستة أفراس فخرجوا إلى موضع يسمى سيارة حتى فتح الله عليهم ولحق بهم عساكر أبيهم, فقام بأمرهم صبر الدين على وزحف لقتال أمحرة في سبعة من الفرسان سوى المشاق وقاتل في موضع يقال له ذكر أمحرة وهم في ثمانين فارس فهزمهم واستولى على ذلك الموضع, وسار إلى سرجان وقاتل من كان هناك وكسرهم, وحرق كنائسهم وبيوتهم وغنم من الذهب وغيرهما مال يحصى ومازال ينتصر على أمحرة حتى جمعوا له وصاروا في عشرة أمراء تحت يد كل أمير زيادة على عشرين ألفاء ومقدمهم يقال له بخت بقل فملكوا بلاد المسلمين وأقاموا بها سنة وصبر الدين بمن معه يفرون من بلد إلى بلد وبهم من الجوع والعطش والتعب مالأ يوصف ثم أيده الل وقواه حتى جرد أخاه محمدا ومعه حرب جوش وغيره من الأعيان في عشرين فارسا إلى بلد يقال لها رطوى فقاتلوا أمحرة قتالأ عظيما قتل فيه مقدمهم في عدة من أمراء الحطى وقتل من عسكرهم مالأ يحصى وهزموا باقيهم« وغنموا غنائم كثيرة وملكوا البلد زمانا ثم صار صبر الدين بنفسه وطلع إلى بيت الملك وقاتل أمحرة وقتل أميرا كبيرا وحرق بيت الملك وأكثر في قتل من هنالك وعاده ثم جرد أخاه إلى قلعة بروت
صفحہ 91
ففتحها صلحا وعاد منصورا ثم جرد أمير اسمه عمرو معه ستة فرسان إلى بلاد لجب وأمحرة في عدد كالجراد فكانت بينهم واقعة عظيمة قاتل المسلمون فيها قتالأ شديدا حتى ماتوا كلهم, وقد صارت المزاريق تأتيهم كالمطر من كثرتها ثم قطعوا بالسيوف - رحمة الله عليهم - وشهد صبر الدين مرة وقعة كاد العدو أن يأخذه قبضا باليد فنجا بفرسه وقد اعترضه واد عرضه نحو عشرة أذرع فوثب بفرسه حتى تعداه« وخلصه الله منهم وما زال يلى أمر المسلمين إلى أن مات على فراشه مبطونا بعد ثماني سنين في حدود سنة خمس وعشرين وثماني مائة وكانت سيرته مشكورة.
فقام بالأمر أخوه منصور بن سعد الدين وعضده أخوه محمد وسار إلي جداية وهى دار ملك الحطى وبها صهره فقاتله حتى أخذ أسيرا وقتله في عدة كبيرة, فالتجأ نحو الثالثين ألفا إلى جبل يقال له مخا فحصرهم فيه زيادة على مدة شهرين يقاتلهم كل يوم حتى كلوا وجاعوا وعطشوا فنادى فيهم يخيرهم بين الدخول في دين الإسلام وبين اللحاق بقومهم« فأسلم منهم نحو العشرة الأف« ونزلوا إليه من الصبح إلى غروب الشمس وصار من الغد بقيتهم إلى بلادهم فغنم من الخيل مائتي فرس عربية.
وأقام عشرة أيام وقد جمع أمحرة فأتوه في عدد كالجراد المنتشر من كثرتهم فقاتلهم أشد قتال حتى كلت الفرسان وخيولها من شدة الحرب: وقتل عشرة من أمراء المسلمين, فوقع منصور وأخوه محمد في قبضة الخطى إسحاق المدعو أبرم بن داود بن سيف أرعد فكاد يطير من الفرح
صفحہ 92
وقبض عليهما وسجنهما ووكل بهما وذلك في سنة ثمان وعشرين وثماني مائة لسنتين من والية المنصور واستولت النصارى من أمحرة على البلاد كما كانوا وقعوا.
وعندما قبض على منصور قام بالأمر في الحال أخوه جمال الدين محمد بن سعد الدين وهو ضعيف: وقد بقى معه من الأمراء حرب جوش وكان من أمراء الحطى فأسلم في أيامه سعد الدين وقدم إليه فصار من أكابر الأمراء لقوته وشجاعته وكثرة أتباعه فخرج على جمال الدين البرا بر فوجه إليهم حرب جوش فعرض عليهم الصلح وقد جمعوا له جمعا فيه سبعة الأف قوس وسيف فأبوا الا محاربته وهو مواقفهم من الصبح إلى الظهر ثم قاتلهم قتالأ حتى هزمهم الله إلى بيوتهم وهو في أقفيتهم فانقادوا لأمره ودخلوا في طاعته . ودفعوا إليه زكاة أموالهم وعاد مؤيدا ظافرا.
ثم بعث حرب جوش إلى بلاد بالى في عشرين فارسا فلقي أمحرة وهم في عدد عظيم لم يجتمعوا فيما مضى مثله. فقاتلهم أشد قتال فانتصر عليهم وعاد فجمع الحطى عساكر كثيرة جدا ونزل جداية فسار إليهم جمال الدين وحاربهم« وعاد منصورا فتوجه أمحرة إلى بجرة وقد استطال الحطى وجمع عليه نحو مائة أمير وعزم على أن ال يبقى من الفرسان ما ال يحصى كثرة فكانت بين الفريقين وقعة عظيمة فقتل الله أمحرة وهزم باقيهم .
صفحہ 93
وركب جمال الدين أقفيتهم وهو يتبعهم ثلاثة أيام, وهو يقتل ويأسر حتى امتلأت الأرض بالقتلى وحرق الكنائس وسبى النساء والأوالدء وغنم الأموال حتى بلغت عدة الخيول المسبية التي غنمها زيادة على مائة فرس وأما الخيول العراة فال تحصى لكثرتها وأقام في هذه الغزوة ثلاثة أشهر.
وبعث حرب جوش إلى بالى فقتل وأسر وسبى مالأ ينحصر، وغنم غنائم عظيمة حتى صار يعطى لكل فقير ثلاثة رءوس من الرقيق ومن كثرتهم أبيع الرأس من الرقيق بربطة ورق وبخاتم واحد ورجع منصور ا غانما.
فسار جمال الدين بنفسه لغزو أمحرة في جمع عظيم لم يجتمع ألبائه مثله ومعه ألف فارس وهو يقتل ويأسر ويسبى ويغنم والحطى بجموعه هارب منه وهو في طلبهم يتبعهم خمسة أشهر حتى وصل إليه فلم يقابله الحطى وهرب منه إلى رأس بحر النيل فعاد جمال الدين بغنائم ال تعد وال تحد.
ثم بعث أخاه والأمير حرب جوش إلى دوروا فأوقعا وأمحرة وقائع عديدة وأسرا منهم ثلاثة أمراء وغنما ستين فرسا سا وغنائم كثيرة وعادا بأعز نصر ثم سار جمال الدين بنفسه يقتل ويأسر مسافة عشرين يوما فتفرقت أمحرة في ثلاثة مواضع تريد أن تأخذ بلاد جمال الدين وعياله فعاد راجعا يريد لقاهم, وقطع مسافة عشرين يوما في سبعة أيام حتى لقيهم ببلاد تسمى هرجاى وقد تعب هو وأصحابه تعبا كثيرا والعدو
صفحہ 94
مستريح فكانت بينهم وقعة عظيمة ومن كثرة الجموع وشدة القتال اختلط الناس فما كان أحد يعرف صديقه من عدوه ثم أنزل الله نصره على المسلمين فأخذوا جانبا من أمحرة وانتصر أمحرة وأخذوا جانبا من المسلمين وغنم كل منهم ما حازه.
ثم سار على جمال الدين بنو عمه وحسدوه وقتلوه في جمادى الأخرة سنة خمس وثالثين وثمانى وله في السلطنة سبع سنين.
وكان خير ملوك زمانه دينا ومعرفة, وقوة وشجاعة ومهابة وجهادا في أعداء الله بحيث إنه ملك كثيرا من بلاد الحطى وأعماله ودخل جماعات من عمال الحطى ووالة أعماله في طاعته وقتل وأسر من أمحرة الكفرة ما ال يدخل تحت حصر حتى امتالت بلاد الهند واليمن وهرمز والحجاز ومصر: والشام والروم: والعراق وفارس من رقيق الحبشة الذين أسرهم وسباهم في غزواته ومازال مؤيدا من الله تعالى منصورا على أعداء الله حتى ختم الله له بالحسنى وكتب له الشهادة.
وكان يصحب الفقهاء وأهل الفقر من الصالحين ونشر العدل في أعماله حتى في ألله وولده. ولقد بلغ من عدله أن لعب بعض صغار أولاده ذات يوم مع أنداده وأترابه من الولدان فضرب صغيرا منهم كسر يده ولم يبلغ جمال الدين حتى مضت مدة فاشتد في الأنكار على خدمه أن لم يعلموه« وطلب أولياء الصغير الذي كسر يده وعاتبهم على إخفاء هذا عنه وجمع أهل دولته وطلب ابنه الجاني على الصغير في كسر يده ليقتص منه فقام أعيان الدولة وأمراؤهم بين يديه يتضرعون إليه في
صفحہ 95
العفو وأنهم يرضون أولياء الصغير فلم يفعل وأبى الأ إحضار ولده فحضر إليهه فلما قدم إليه ليقتص منه ضح الجميع بالبكاء وقام أولياء المكسور وعفوا فلم يرجع إلى أحد وقدم ابنه ليه: وأخذ يده بيده ووضعها على حجر وضربها بحديدة فكسرها وهو يصيح ثم أغمى عليه وأصوات ذلك الجمع على كثرته قد ارتفعت بالعويل والبكاء رحمة للصغير فكان أمرا مهولا وجمال الدين مع ذلك ثابت وقائل لولده ذق كما أذقت ولد الناس. حدثني بهذا الخبر الثقاة الذين حضروا ذلك المجلس بين يدي جمال الدين وشهدوه فلم يتجاسر بعد ذلك أحد من أهل الدولة أن يمد يده لمال أحد بغير حق وال استطاع بعدها جليل وال حقير أن يجنى على غيره وكان من شدة مهابته إذا أمر بشىء أو نهى عنه ال يتعداه أحد من أمرائه بل يقف الجميع عند أمره ونهيه في جميع أعماله خوفا من شدته سطوته واتقاء عقوبته.
مناقبه عديدة« ومآثره كثيرة وجميلة وجملة القول فيها أن الله تعالى أيد به الدين وأعز بدولته الإسلام والمسلمين, وكان من جليل سعادته أن الله تعالى أهلك في أيام دولته طاغية أكفر الحطى إسحاق بن داود بن سيف أرعد في ذي القعدة سنة ثالث وثالثين وثمان مائة.
فأقيم بعده اندراوس بن إسحاق فهلك لأربعة أشهر من ولايتهه وقام بأمر أمحرة عمه حربناى بن داود بن سيف أرعد فهلك في شهر رمضان سنة أربع وثالثين بعد أشهر من واليته. فأقيم بعده سلمون بن إسحاق بن داود بن سيف أرعد فكان أربعة ملوك في نحو سنة.
صفحہ 96