حفاظ الشعر عند سائر الأمم وخصوصا العرب
قال غرم:
17 «إن الألمان كانوا يسلكون هذا المسلك وإن الأناشيد الجرمانية كانت تنشد كأناشيد اليونان على نغم القيثار».
ومن قول فوريل أيضا:
18 «إن الروايات والقصص كانت تنشد في فرنسا على هذا النمط في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكان الراوي إذا أراد الإنشاد دعا الجماعة إلى استماع أغنية تاريخ جميلة (une belle chanson d’histoire)
ثم يتغنى على نغم شبابة عربية ذات ثلاثة أوتار، وإذا أخذ فيه العياء ظل ينغم زمنا بلا إنشاد. تلك كانت الوسيلة المثلى لإلقاء الروايات والأقاصيص».
ونقل إلكسندر شدزكو:
19 «إن حفاظ العجم يتلون لك من شعر شعرائهم ما لا تكاد تصدق أن ذاكرة تعيه لكثرته، فقد يظل المنشد يتغنى بأشعار الشهنامة (وهي إلياذة الفرس) نهارا كاملا» وما أدراك كم بيتا يقال في نهار.
أما العرب فلم يكن في أمة من أمم الأرض شأن للإنشاد أرفع منه عندهم، وهذه أخبار عكاظ والمربد تملأ الأسفار بصرف النظر عن أخبار الشعراء المنبثين في كل أصقاع البلاد العربية لا مهنة لهم إلا إنشاد الشعر. وهذه أخبار الخلفاء، وقد كان ما يجيزون به الشعراء من أبواب النفقة الطائلة مما لا يبقى معه ريب أن إنشاد الشعر كان الضالة المنشودة والمفخرة التي يتسابق إليها الرفيع والوضيع.
وإذا طالعت أخبار الشعراء المترجمين في كتاب الأغاني وغيره رأيت بعضهم كهوميروس أميين لا يقرءون ولا يكتبون؛ بل ربما احتاج أبلغهم إلى قارئ صغير كما فعل طرفة بن العبد والمتلمس أثناء شخوصهما إلى عمرو بن هند ملك الحيرة إذ اضطرا إلى استرضاء غلام حدث ليقرأ لهما كتابا، وكلاهما من فحول الشعراء (شرح الإلياذة ص: 449) وهؤلاء أصحاب المعلقات والمجمهرات والملحمات كان فريق كثير منهم أميا.
نامعلوم صفحہ