قال (^١): "وُيحكى لنا عن أبي داود أنه قال: "ما ذكرتُ في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه"، قال (^٢): "وكان تصنيف علماء الحديث قبل (^٣) أبي داود: الجوامع والمسانيد ونحوهما، فَتَجمَعُ تلك الكتبُ
_________
= "فالمسكوت عليه إما صحيح أو أصح إلا أن الواقع خلافه، ولا مانع من استعمال أصح بالمعنى اللغوي، أي، التشبيه؛ بل قد استعمله كذلك غير واحد، منهم: الترمذي، فإنه يورد الحديث من جهة الضعيف ثم من جهة غيره، ويقول عقب الثاني: إنه أصح من حديث فلان الضعيف، وصنيع أبي داود يقتضيه لما في المسكوت عليه من الضعيف بالاستقراء، وكذا هو واضح من حصره التبيين بالوهن الشديد، إذ مفهومه أن غير الشديد لا يبينه.
وحينئذٍ فالصلاحية في كلامه أعم من أن تكون للاحتجاج أو الاستشهاد، فما ارتقى إلى الصحة ثم أبو الحسن فهو بالمعنى الأول، وما عداها فهو بالمعنى الثاني، وما قصر عن ذلك فهو الذي فيه وهن شديد، وقد التزم بيانه، وقد تكون الصلاحية على ظاهرها في الاحتجاج ولا ينافيه وجود الضعيف؛ لأنه كما سيأتي يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهو أقوى عنده من رأي الرجال، ولذلك قال ابن عبد البر: "إن كل ما سكت عليه صحيح عنده، لا سيما إن لم يكن في الباب غيره". على أن في قول ابن الصلاح: "وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره". ما يوحي إلى التنبيه لما أشار إليه ابن رشيد كما نبه عليه ابن سيد الناس؛ لأنه جوز أن يخالف حكمه حكم غيره في طرف، فكذلك يجوِّز أن يخالفه في طرف آخر، وفيه نظر لاستلزامه نقض ما قرره.
وبالجملة: فالمسكوت عنه أقسام، منه ما هو في "الصحيحين"، أو على شرط الصحة، أو حسن لذاته، أو مع الاعتضاد، وهما كثير في كتابه جدًا، ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه".
(^١) "معالم السنن" (١/ ٦)، وفيه: "وَحُكيَ".
(^٢) "معالم السنن" (١/ ٧)، ونقله عنه المصنف في "تهذيب الأسماء واللغات" (٢/ ٢٢٧).
(^٣) في "معالم السنن": "قبل زمان".
1 / 64