رُوِّينا عن الإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي ﵀ قال (^١): "كتاب السنن" لأبي داود ﵀ كتابٌ شريفٌ، لم يُصَنَّف في علم (^٢) الدين كتاب مثله، وقد رُزق القبول من الناس كافة،
_________
= قال السخاوي: "وكذا قال التقي ابن دقيق العيد في "شرح العنوان" له: "التمثيل بسنن أبي داود ليس بجيد عندنا لوجهين: أحدهما: أنه لا يحوي السنن المحتاج إليها، والثاني: أن في بعضه ما لا يحتج به في الأحكام" اهـ.
وأجاب الجمال الإسنوي، شيخ شيوخنا في "المهمات": بأنه لم يَدَّع الاستيعاب، وإنما قال فيه: "الاعتناء بالجميع".
قيل: "وهذا لا يدفع السؤال؛ لأنه إذا علم إهماله لكثير من الأحاديث فلا يكفي في نفي الحديث عدم وجوده فيه؛ لاحتمال وجوده في غيره، فلا تقعُ الكفاية" انتهى.
وكل هذا منهم بناء على أن الغزالي عبر بـ "الجميع" أما حيث عبر بـ "الجمع" على ما هو الواقع في نسخ "المستصفى" حسبما جَزَمَ به البدر الزركشي [في "البحر" (٦/ ٢٠١)، فلا. ويساعده أنه لم يقع لأحد جمع جميع أحاديث الأحكام في تصنيف لعدم إمكانه، على أن أبا داود نفسه ممن صرّح -كما تقدم- بالحصر فيما يعلم ويتعين حمله على المعظم.
وممن صرح بكونه جمعَ المعظم خاصة البندنيجي من الأئمة المتقدمين، والولي العراقي من المتأخرين، فإنه قال: "لا نسلم أنه لم يستوعب معظم أحاديث الأحكام، فالحق أنه ذكر معظمها، وما لم يذكره منها فهو يسير بالنسبة لما ذكره" انتهى كلام السخاوي.
وما أحسن قول ابن حجر ﵀ في "ديوانه" (١٠٤ - ١٠٥) في قصيدته التي امتدح فيه النبي ﷺ وذكر فيها ختم هذا الكتاب:
فَاقَ التصانيف الكبار بجمعِه ال ... أحكامَ فيها يبذل المجهودا
قد كان أقوى من رأى في بابه ... يأتي به ويحرر التجويدا
فجزاه عنا الله أفضل ما جزى ... من في الديانة أبطل الترديدا
(^١) "معالم السنن" (١/ ٦)، ونقله عنه المصنف في تهذيب الأسماء واللغات" (٢/ ٢٢٧)، والسخاوي في "بذل المجهود" (ص ٤٥).
(^٢) في "تهذيب الأسماء واللغات": "حكم".
1 / 58