54

واتفق القراء والنحاة على أن مخرج الحرف إنما يتبين ويتمثل إذا كان ساكنا، فكلفوا من يريد درس الحروف ووصفها، وتحقيق مخارجها، أن يسكن الحرف، ويصله بمتحرك قبله، فيقول: أب، وأت، وأث، ثم يرقب المنطق، ويصف المخرج، ويبين الصفات. وما رسموا ذلك إلا لما رأوا في الإسكان من التمهل بالحرف، والتمسك بمخرجه، وتحقيق نطقه.

فهذا من طبيعة السكون ونطق العرب به، يبين لك أن الفتحة أخف منه، وأيسر مئونة في النطق، وليس ينكر ذلك إلا من غالط نفسه وأنكر حسه.

ومن العرب من يميلون إلى التخفيف، فيسكنون عين الثلاثي إذا كانت مضمومة أو مكسورة. يقولون في رسل: «رسل»، وفي فخد: «فخد»، فإذا كانت العين مفتوحة؛ مثل: جمل، وعمر، وعنب. استبقوا الفتحة، وامتنعوا من تسكين العين.

19

ولو أن السكون كان أخف من الفتحة عندهم لمضوا في التخفيف، فساووا مفتوح العين بالمضموم والمكسور.

فهذا واضح لمن شاء أن يرى، وأوضح منه وأدل، أن العرب قد فروا في بعض المواضع من الإسكان إلى الفتح. ومن ذلك صنيعهم في جمع المؤنث السالم لمثل: فترة، وحسرة، ودعد. فإن العين

20

في المفرد ساكنة، ومن حقها في جمع المؤنث السالم أن تبقى ساكنة أيضا؛ لأن الجمع السالم لا يبدل فيه بناء مفرده، ولكن العرب أوجبت في مثل هذا فتح العين، فيقولون: فترات، وحسرات، ودعدات. ولا يجوزون الإسكان إلا في ضرورة من الشعر.

فهذا حسب المنصف بيانا ودليلا أن الفتحة أخف من السكون وأيسر نطقا؛ فإذا كان ذلك في وسط اللفظ، ودرج الكلام كان أوضح وأبين؛ لأن الإسكان أشبه بالوقف وأقرب إلى قطع اللفظ.

وبعد، فهذه شواهد أخرى تؤنسك بهذا الرأي، وإن لم تبلغ من الاستدلال ما تقدم من البيان؛ فأنت تعلم أن العرب تأبى أن تبدأ بساكن، وترفض أن يجتمع في نطقها ساكنان، حتى تفر من أحدهما بكسر أو فتح.

نامعلوم صفحہ