وليس لهذه الأبحاث من موضع يجب أن تفصل وتبين أحكامها فيه إلا علم النحو.
وقد ذكرنا هذه الأمثلة لنبين أن النحاة حين قصروا النحو على البحث في أواخر الكلم قد أخطأوا إلى العربية من وجهين:
الأول:
أنهم حين حددوا النحو وضيقوا بحثه، حرموا أنفسهم وحرمونا؛ إذ اتبعناهم من الاطلاع على كثير من أسرار العربية وأساليبها المتنوعة، ومقدرتها في التعبير؛ فبقيت هذه الأسرار مجهولة، ولم نزل نقرأ العربية ونحفظها ونرويها، ونزعم أننا نفهمها ونحيط بما فيها من إشارة، وبما لأساليبها من دلالة. والحق أنه يخفى علينا كثير من فقه أساليبها، ودقائق التصوير بها.
الثاني:
أنهم رسموا للنحو طريقا لفظية، فاهتموا ببيان الأحوال المختلفة للفظ من رفع أو نصب من غير فطنة لما يتبع هذه الأوجه من أثر في المعنى. يجيزون في الكلام وجهين أو أكثر من أوجه الإعراب، ولا يشيرون إلى ما يتبع كل وجه من أثر في رسم المعنى وتصويره. وبهذا يشتد جدلهم ويطول احتجاجهم، ثم لا ينتهون إلى كلمة فاصلة.
على أن هذا السبيل المحدود، وتلك الغاية القاصرة، لم يصر إليها النحاة عرضا، ولكن كان في مساق التاريخ ما رسم الطريق وحدده.
وسنشير إلى شيء من هذا التاريخ لا لنعتذر عن النحاة فحسب، ولكن لنهتدي به ولنسلك في درس النحو أهدى سبيل وأجداه.
وجهات البحث النحوي
كان العرب شديدي العناية بالإعراب، وكان حسهم به دقيقا يقظا، يعدونه عنوان الثقافة التامة، والأدب الرفيع، والخلق المهذب، قالوا: اللحن هجنة على الشريف. وكان الرجل منهم إذا تكلم فلحن سقط من أعينهم، وكان خالد بن صفوان يحسن الكلام ويلحن في الإعراب، فقال له مرة بلال بن أبي بردة: «تحدثني حديث الخلفاء وتلحن لحن السقاءات!»
نامعلوم صفحہ