191

ويسمع لا بخروق وأدوات يقول ولا يلفظ ويحفظ ولا يتحفظ ويريد ولا يضمر يحب ويرضى من غير رقة ويبغض ويغضب من غير مشقة يقول لما أراد كونه ( كن فيكون ) لا بصوت يقرع ولا نداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلها ثانيا (1) ولا يقال له كان بعد أن لم يكن فتجري عليه صفات المحدثات ولا يكون بينه وبينها فصل ولا له عليها فضل فيستوي الصانع والمصنوع ويتكافأ المبتدع والبديع (2) خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره (3) ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.

أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال وأرساها على غير قرار (4) وأقامها بغير قوائم ورفعها بغير دعائم وحصنها من الأود والاعوجاج ومنعها من التهافت والانفراج (5) أرسى أوتادها وضرب أسدادها واستفاض عيونها وخد أوديتها (6) فلم يهن ما بناه ولا ضعف ما قواه هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته والباطن لها بعلمه ومعرفته والعالي على كل شيء منها بجلالته وعزته لا يعجزه شيء منها طلبه ولا يمتنع عليه فيغلبه ولا يفوته السريع منها فيسبقه ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه خضعت الأشياء له وظلت مستكينة لعظمته (7) لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره ولا كفء له فيكافئه (8) ولا نظير له فيساويه هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أشباحها وأجناسها ومتلبدة [ متبلدة ] أممها وأكياسها (9) على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة (10) عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها.

صفحہ 203