فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده.
ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد ( إلا رجلا مسحورا ) ولست بنبي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هل بقي من كلامك شيء؟
قال بلى لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالا وأحسنه حالا فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا ( على رجل من القريتين عظيم ) إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هل بقي من كلامك شيء يا عبد الله؟
فقال بلى ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة وجبال تكسح أرضها (1) وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ( أو تكون لك جنة من نخيل وعنب ) فتأكل منها وتطعمنا وتفجر ( الأنهار خلالها ) خلال تلك النخيل والأعناب ( تفجيرا ) ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) (2) فإنك قلت لنا ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) (3) فلعلنا نقول ذلك.
ثم قال ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون ( أو يكون لك بيت من زخرف ) تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى وإنك قلت لنا : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) (4).
ثم قال ( أو ترقى في السماء ) أي تصعد في السماء ( ولن نؤمن لرقيك ) أي لصعودك ( حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ) من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله إنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أومن بك أو لا أومن بك بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا ( إنما سكرت أبصارنا ) (5) وسحرتنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبد الله أبقي شيء من كلامك قال يا محمد أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وائتنا بما سألناك به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه يا محمد ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ) إلى قوله ( رجلا مسحورا ) (6) ثم قال الله تعالى : ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) (7) ثم قال يا محمد ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا
صفحہ 30