ولا يغني والحاصل أن المسلم هو أنهم كانوا على نعوت يزيد وعبيد الله بن زياد والحجاج وأمثالهم من الظلمة الذين كانوا بالسياسة الخارجة عن قانون الشرع يضبطون الولايات وأهلها عن أن يتكلم عليهم أحد في جورهم وظلمهم وعن أن يقدر على الخروج عليهم والتخلف عنهم وذلك بأن يقتلوا أهل محلة مثلا بخيانة واحاله منهم وينهبوا أقواما لتخلف بعضهم إلى غير ذلك من الضوابط التي ورثها عنهم العثمانية من قياصرة الروم ونسمع ونرى في زماننا من قوانينهم التي ما أنزل الله بها من سلطان قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه رد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة وهو طريد رسول الله (ص) وكان قد طرده وأبعده من المدينة وامتنع أبو بكر من رده فصار بذلك مخالفا للسنة ولسيرة من تقدمه مدعيا على رسول الله (ص) عاملا بدعواه من غير بينة أجاب قاضي القضاة بأنه قد نقل أن عثمان لما عوتب على ذلك ذكر أنه استأذن رسول الله (ص) اعترضه المرتضى بأن هذا قول قاضي القضاة لم يسمع من أحد ولا نقل في كتاب ولا نعلم من أين نقله القاضي أو في أي كتاب وجده الناس كلهم رووا خلافة قال الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن الحكم بن أبي العاص لما قدم إلى المدينة بعد الفتح أخرجه النبي (ص) إلى الطايف وقال لا يساكني في بلد أبدا لأنه كان يتظاهر بعداوة رسول الله (ص) والوقيعة فيه حتى بلغ به الأمر إلى أنه كان يعيب النبي (ص) في مشيه فطرده النبي (ص) وأبعده ولعنه ولم يتو أحد يعرفه بأنه طريد رسول الله (ص) فجاء عثمان إلى النبي (ص) وكلمه فيه فأبى ثم جاء إلى أبي بكر وإلى عمر في زمان ولايتهما فكلمهما فيه فأغلظا عليه القول وزبراه وقال له عمر يخرجه رسول الله (ص) وتأمرني أن أدخله والله لو أدخلته لم آمن قول قايل غير عهد رسول الله (ص) وكيف أخالف عهد رسول الله (ص) فإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم فكيف يحسن من القاضي هذا العذر وهلا اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر وسلم من لهجتيهما إياه وخلص من عتابهما عله مع أنه لما رده جاء علي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر فقالوا إنك أدخلت الحكم ومن معه وقد كان النبي (ص) أخرجهم وإنا نذكرك الله والإسلام ومعادك فإن لك معادا ومنقلبا وقد أتو ذلك الولاة قبلك ولم يطمع أحد أن يكلمهما فيهم وهذا شئ يخاف الله تعالى فيه عليك فقال لهم عثمان إن قرابتهم مني ما تعلمون وقد كان رسول الله (ص) أخرجه بكلمة بلغته عن الحكم ولن يضركم مكانهم شيئا وفي الناس من هو شر منهم فقال أمير المؤمنين (ع) لا أحد شرا منه ولا منهم ثم قال هل تعلم بقول عمر والله ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس والله إن فعلت ليقتلنه فقال عثمان ما كان منكم أحد ليكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه وينال في القدرة ما نلت إلا كان سيدخله وفي الناس من هو شر منه فغضب علي (ع) وقال والله لتأتينا بشر من هذا إن سلمت وسترى يا عثمان عقب ما يفعل فهلا اعتذر به القاضي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول روى أرباب الصحاح أن عثمان لما قيل له لم أدخلت الحكم بن أبي العاص قال استأذنت رسول الله (ص) في إدخاله فأذن لي وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدقاني فلما صرت واليا عملت بعلمي في إعادتهم إلى المدينة هذا مذكور في الصحاح وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل لا يوافقه نقل الصحاح ويؤيد هذا ما ذكر في الصحاح أن النبي (ص) أمر يوم الفتح بقتل عبد الله بن أبي سرح فجاء عثمان واستأمن له فلم يؤمنه رسول الله (ص) فأتى من اليمين واليسار والقدام والخلف وفي كل هذه المرات كان رسول الله (ص) لا يقبل منه وهو يبالغ حتى قبل في آخر الأمر وكان هذا من حرص عثمان على صلة الرحم فإذا صح الخبر أنه استأذن رسول الله (ص) في إدخال الحكم بن أبي العاص وأدخله بعلمه بإذن رسول الله (ص) فلا مخالفة ولا طعن انتهى وأقول لو كان عثمان صادقا في استيذانه عن النبي (ص) لإدخال الحكم فلم لم يدخله في زمانه (ص) مع غاية محبته له ونهاية اهتمامه في شأنه حتى لا يتهمه أبو بكر وعمر بعد ذلك بالكذب الله إلا أن يقال عنادا إنه استأذن في ذلك سرا عن النبي (ص) في مرضه وعندما نسبه عمر إلى الهجر والهذيان وضاق الوقت عن إدخاله في حياته (ص) لقرب وفاته وبعد المسافة بين المدينة ومكان ذلك المطرود المردود وحينئذ لعمر أن يقول إن الرجل كان يهجر فلا اعتداد بإذنه في تلك الحالة فليضحك قليلا وليبك كثيرا وأما ما نسبه ههنا إلى الصحاح فليس في صحاحهم المشهورة المتداولة عنه خبر ولا أثر ولعله مذكور في صحاح غير متداولة وضعها المتأخرون منهم إصلاحا لمفاسد أسلافهم ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر ويدل على كذبه في نسبته ذكر ذلك إلى الصحاح المشهورة أنه أيد ذكرها في الصحاح بقصة قبول النبي (ص) طلب عثمان أمان عبد الله بن أبي السرح فإن كون ذلك مذكورا في الصحاح لا يحتاج إلى تأييد كما لا يخفى مع ما يتوجه على التأييد المذكور من أنه لا تلازم بين قبول النبي (ص) الأمان لعبد الله وبين قبوله لإدخال الحكم وكفى في طعن عثمان ما اعترف به من أن أبا بكر وعمر لم يصدقاه وكذباه في إخباره عن ذلك فكيف يتوقع عن الشيعة بصدقه في ذلك بنقل أحاديث وضعها أولياؤه لترويج حاله وتصديق مقاله وما أشبه تشبث عثمان بما افتراه على النبي (ص) من إذنه في إعادة هؤلاء المطرودين بما افتراه صاحبه أبو بكر من قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن كلا منهما متفرد في النقل تأمل قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي عدت للمسلمين ودفع إلى أربعة أنفس من قريش وزوجهم ببناته أربعمائة ألف دينار وأعطى مروان مائة ألف دينار وأجاب قاضي القضاة بأنه ربما كان من ماله اعترضه المرتضى بأن المنقول خلاف ذلك فقد روى الواقدي أن عثمان قال إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال ذوي أرحامهما وإني ناولت منه صلة رحمي وروى الواقدي أنه بعث إليه أبو موسى الأشعري بمال عظيم من البصرة فقسمه عثمان بين ولده وأهله بالصحاف فبكى زياد وروى الواقدي أيضا قال قدمت إبل من الصدقة فوهبها للحرث بن الحكم بن أبي العاص وولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له وأنكر الناس على عثمان إعطاء سعيد بن العاص مائة ألف انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا خلاف بين المسلمين إن عثمان كان صاحب أموال كثيرة حتى أنه جهز ثلث جيش العسرة في زمن رسول الله (ص) وكان ذلك زمان الضيق والشدة ولم يتسع الأموال أبعد فلما اتسع الأموال فلا شك أن المرء العالم بتحصيل الأموال سيما إذا استخلف يزيد أمواله بالتجارات والمعاملات فربما كان من ماله ما أعطى أقرباءه كما أجاب قاضي القضاة ومن كان يفرق بين أمواله وأموال الفئ لأن كل هذا كان تحت يده أكان المرتضى وابن المطهر من حساب أمواله ومن خزانها حتى يعلموا أنه أعطى من ماله أو من مال الفئ والأصل أن يحمل
صفحہ 251