ممن صنف في مناقب الإمام أبي حنيفة كتابا حافلا ما حاصله جزم خلايق من أئمة الحديث بأنه لم يسمع عن أحد من الصحابة شيئا واحتجوا بأشياء منها أن أئمة أصحاب الأكابر كأبي يوسف ومحمد وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم لم ينقلوا عنه شيئا من ذلك ولو كان لنقلوه لأنه مما يتنافس فيه المحدثون ويعظم افتخارهم به ويأن كل سند فيه أنه سمع من صحابي لا يخلو من كذب وبأشياء آخر انتهى كلامه ومنها أن ما ذكره من أن المراد بقول عمر أنا أنهي عنهما أنا أخبركم بالنهي وأوافق رسول الله (ص) تأويل مظلم لا دلالة لقوله عليه بإحدى الدلالات الثلاث ولو أراد قايل ذلك هذا المعنى لكان سفيها معميا ما غزا ومنها أن ما ذكره من أن قول عمر كانتا على عهد رسول الله (ص) أن يكون دائما والمفهوم لا يخالف هذا كما ادعاه المرتضى مدخول بأن المرتضى (رض) لم يقل أن المفهوم من مجرد قوله كانتا على عهد رسول الله (ص) دوامه في زمانه (ص) بل قال إن من مجموع إضافة انتهى إلى نفسه وقوله كانتا إلى آخره يفهم ذلك ولا ريب في أنه يفهم من مجموع ذلك أن حكم النبي (ص) قد انتهى إلى زمان عمر فنهى عنه لكن الناصب الشقي يحمل كلام المصنف على غير المفهوم والمرام ليظهر أنه قد خرج عن عهدة ما تكلفه من رد الكتاب ويفتخر به على عامة ذوي الأذناب قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه منع من متعة الحج مع أن الله تعالى أوجبها في كتابه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول متعة الحج جوزها العلماء وذهبوا إليه ولم يتقرر المنع ولم يصح منه رواية في منعها وإن صح فيمكن أن يكون سمع من رسول الله (ص) شيئا والمسائل المختلف فيها لا اعتراض فيها على المجتهدين انتهى وأقول رواية منع المتعة هي بعينه ما اشتمل على رواية منعه لمتعة النساء حيث قال متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) شيئا فمدفوع بما مر من أنه أضاف النهي فيهما إلى نفسه ولو كان سمع من الرسول النهي عن ذلك لكان الرواية عنه (ص) أبلغ في الانتهاء والانزجار مع أن قوله كانتا على عهد رسول الله (ص) يكذب ذلك إذ مفهومه كما قال المرتضى قدس سره إن ذلك كان إلى أن مات قال المصنف رفع الله درجته ومنها قضية الشورى وقد أبدع فيها أمورا فإنه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا وحصرها في ستة وذم كل واحد منهم بأن ذكر فيه طعنا لا يصلح معه للإمامة ثم أهله بعد أن طعن فيه وجعل الأمر إلى ستة ثم إلى أربعة ثم إلى واحد وصفه بالضعف والقصور وقال إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالاه وإن صاروا ثلاثة وثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف وذلك لعلمه بأن عليا وعثمان لا يجتمعان وإن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمه وإنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام وأمر بقتل من يخالف الأربعة منهم أو الاثنين الذين ليس عبد الرحمن فيهم روى الجمهور أن عمر لما نظر إليهم قال قد جاءني كل واحد منكم يهز عفريته يرجو أن يكون خليفة أما أنت يا طلحة فلست القايل إن قبض النبي لننكحن أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا أحق بينات عمنا منا فأنزل الله فيك وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا وأما أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوما ولا ليلا وما زلت جلفا جافيا مؤمن الرضا كافر الغضب يومان شيطان ويومان وحمان شحيح وأما أنت يا عثمان والله لروية خير منك ولئن وليتها لتحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ولئن فعلتها لتقتلن ثلاث مرات وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل عاجز تحب قومك جميعا وأما أنت يا سعد فصاحب عصبية وفتنة ونقب لا تقوم بقرية لو حملت أمرها وأما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض جميعا لرجحهم فقام علي (ع) موليا يخرج فقال عمر والله إني لأعلم مكان الرجل لو وليتموه أمركم حملكم على المحجة البيضاء قالوا من هو قال هذا المولي من بينكم إن ولوها الاحلج سلك بكم الطريق قالوا فما يمنعك من ذلك قال ليس إلى ذلك سبيل قال له ابنه عبد الله بن عمر فما يمنعك منه قال أكره أن أتحملها حيا وميتا وفي رواية لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة وكيف وصف كل واحد منهم بوصف قبيح كما ترى زعم أنه يمنع من الإمامة ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف وأي تقليل أعظم من الحصر في الستة ثم تعيين من اختاره عبد الرحمن بن عوف والمر بضرب رقاب من خالف منهم وكيف أمر بضرب أعناقهم أن تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام ومن المعلوم أنهم لا يستحقون ذلك لأنهم إن كلفوا أن يجتهدوا آرائهم في اختيار الإمام فربما طال زمان الاجتهاد وربما نقص بحسب ما يعرض فيه من العوارض وكيف يسوغ الأمر بالقتل إذا تجاوزت الثلاثة ثم أمر بقتل من يخالف الأربعة ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن وكل ذلك مما لا يستحق به القتل ومن العجب اعتذار قاضي القضاة بأن المراد بالقتل إذا تأخروا على طريق شق العصا وطلب الأمر من غير وجهه فإن هذا مناف لظاهر الخبر لأنهم إذا شقوا العصا فطلوا الأمر من غير وجهه فمن أول يوم وجب قتلهم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن أمر شورى أول دلايل على تقوى عمر وخوفه من الله تعالى لأنه احتاط فيه كمال الاحتياط واصل حكاية سورى كما ذكره أرباب الصحاح أن عمر لما جرح قال له الناس استخلف فقال أنا لا أحمل هذا الأمر حيا وميتا إن هؤلاء النفر الستة كلهم من قريش وقد جمعوا شرايط الخلافة وقد علمت أن رسول الله (ص) لما توفي كان عنهم راضيا فأنا أجعل هذا الأمر بينهم وهذا من كمال احتياطه وتركه الأغراض الخاصة ونظر مصلحة العامة بلا غرض لنفسه وأما ما ذكر أنه ذكر معايب كل واحد بالأمور القادحة في الخلافة في حضورهم فهذا باطل لا شك فيه وصاحب هذه الرواية جاهل بالأخبار كذاب لا يعلم الوضع فإن وضع الأخبار ينبغي أن يكون على طريقة لا يعلم الناس أنها موضوعة ووضوح وضع هذا الخبر أظهر من أن يخفى على أحد فإن الرجل مجروح وهؤلاء كانوا أكابر قريش وأقرانه في الحسب والنسب أتراه يأخذ في عينهم ويشتمهم عند الموت وهو يريد استخلافهم ويقول لزبير وهو شيخ المهاجرين بمحضر الناس إنك جاف جلف ويقول لطلحة كذا ولسعد كذا فهذا معلوم من أطوار الصحابة وحكاياتهم إنه من الموضوعات والله أعلم ولقد سألت من الشيخ برهان الدين إبراهيم البغدادي في تبريز سنة قدم تبريز عن هذا وذكرت ذلك له والشيخ المذكور كان أستاذ الشيعة وإمامهم في زمانه فصدقني وقال هذا كذب صراح بل الحق أن عمر قبل أن يخرج بأيام قلايل تأوه يوما فقال له ابن عباس في الخلوة لم تتأوه يا أمير المؤمنين قال ذهب عمري وأنا متفكر في هذا الأمر أوليها لمن فقال ابن عباس قلت أين لك من عثمان قال أخاف أن يولي بني أمية على الناس ثم لم يثبت العرب أن يضربوا عنقه والله لو فعلت لفعل ولو فعل لفعلوا فقلت له أين لك من طلحة قال نعوذ بالله من زهوه قلت أين لك من
صفحہ 245