عن أمر إلا برأيه ومشاورته فقد مر الكلام في تحقيق كل من الوزارة والرأي والمشورة فتذكر على أن الحصر المدلول عليه بقوله لا يصدر عن أمر إلا برأيه إلى آخره قد ذكره الناصب سابقا في شأن أبي بكر أيضا فلا يصحان معا إلا إذا ثبت موافقة أبي بكر وعمر في جميع ما شاورهما النبي (ص) فيه وطبيعة ما سير وبه الناصب بعيد ذلك من أن رسول الله (ص) شاور أبا بكر في أسارى بدر فاختار الفداء وشاور عمر فاختار قتلهم فمال رسول الله (ص) إلى قول أبي بكر واختار الفداء انتهى وأما ما رواه من أنه (ص) قال إن الله تعالى وضع الحق والسكينة على لسان عمر فمن مشاهير موضوعات القوم وكيف ينطق من له حياء بأن السكينة ينطق عن لسان عمر مع أن هفوات لسان عمر وخطبه فيما نهى عنه أوامر أكثر من العدد المر وأوسع من هالة القمر حتى قال في سبعين مسألة على ما اشتهر لولا علي لهلك عمر وما رواه الناصب في تصديق ذلك عن ابن عمر من قبيل استشهاد ابن آوى بذنبه اللهم إلا أن يراد بالحق الذي وضعه الله على لسان عمر قوله كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال فإن هذا ليس للمنع فيه المجال وأما ما ذكره من النبي (ص) قال لو كان بعدي نبي لكان عمر فمع أنه موضوع كسابقه يدل على أن عمر كان مستجمعا للصفات النفسية الكاملة الحاصلة في الأنبياء (ع) فيصير منافيا لما ذكره الناصب سابقا من منع مساواة علي (ع) مع النبي (ص) في الصفات النفسية المصححة لنيل صاحبها منصب النبوة فتذكر وأما ما ذكره من أن عمر كان مهيبا يخافه المنافقون والكفار ففيه أن هذا مع ما فيه من نوع تكرار لما سبق مدخول بأنا لم نسمع كونه مهيبا في أعين الكفار والمنافقين بل كان الأمر بالعكس ولهذا انهزم عنهم في خيبر وحنين وغيرهما من غزوات النبي (ص) نعم كان مهيبا في أعين الناس المسلمين كما قال ابن عباس إنه كان مهيبا فهبته وهذه المهابة لم يكن ناشية عن صولة في الدين كما هو شأن المتقين بل كان كهيبة الغول عن غلظة طبعه وفظاظته وكراهة منظره وضخامته كما قيل في هجو وليه عبد الرحمن الجامي شعر جمى آنى كه دو بيا بأنها غول از هيبت جهل كزكز طبع پاك تو رتست كويم چيست كوهر أو قتادة دو مبرز وأما ما ذكره من حديث سعد بن أبي وقاص وزعم أنه من الالزاميات للشيعة فأوهن من بيت العنكبوت وكيف يصير حديث سعد بن وقاص الذي هو من أعداء أمير المؤمنين وأمثالها مما ذكر في كتب أهل السنة حجة الزامية للشيعة وهو ظاهر على أدنى محصل وما نسبه إلى الشيعة من أنهم يقولون إن بيعة أبي بكر كان باختيار عمر ليس من مخترعات الشيعة بل هو العروة الوثقى؟؟؟ أهل السنة بعد ما أنصفوا ورجعوا خايبا عن إثبات الاجماع وهو مذكور في كتاب المواقف وقد ذكرناه سابقا فتذكر ثم أقول ظاهر حديث سعد تعلق الحكم بما سلكه عمر في ساير ما مضى من أيام حياته إلى زمان هذا الخطاب فلو صح لزم أن يكون ما مضى عليه من الكفر والفحش حقا والإسلام باطلا وبطلانه ظاهر وأيضا لا يفيد ثبوت عدالته في ساير أيام بقائه على ظاهر الإسلام كما هو مطلوب الخصم إذ غاية ما يلزم منه أن بكون ما سلكه قبل مخطبة النبي (ص) إياه بهذا الخطاب حقا لا ما سلكه في ساير الأحوال ولو في الاستقبال حتى ما سلكه في بيعة أبي بكر من الضلال على أنا نقول إن هذا الحديث لنا لا علينا فإنه (ص) مخترع جوامع الكلام والظاهر أنه أراد بقوله سلك الشيطان فجا غير فج عمر أنه يغني عن الشيطان في ذلك الفج فتطمئن قلبه ولا يبقى له حاجة إلى أن يسلك الفج بنفسه وذلك يدل على كمال شيطنته وعصيانه والحاصل أن مدلول هذا الحديث استعظام سلوك عمر بحسب الضلال والإضلال كما أن مدلول قوله (ع) في حديث آخر ما آيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قبل النساء استعظام جهة الاضلال الحاصل من قبل النساء على ما صرح به سيد المحققين قدس سره الشريف في أواخر مبحث القصر من حاشيته على المطول ومما يؤيد التوجه المذكور ما روي في المشهور من أن النبي (ص) قد أتاه إبليس عليه اللعنة ليتوب على يده فقال له النبي (ص) أنا يقبل الله تعالى توبتك إذا زرت قبر آدم (ع) فرجع قاصدا لزيارته فرآه عمر في الطريق وسأله عن حاله فأخبره إبليس بما جرى بينه وبين النبي (ص) وما أمره به من زيارة قبر آدم (ع) لقبول توبته فقال له عمر ويحك يا إبليس إنك ما سجدت بأمر الله تعالى لآدم حين حياته مع ما له من الحسن والقبول ثم تسجد له بعد وفاته ورفاته بأمر الرسول فرجع إبليس بإغوائه عما ندبه النبي (ص) وسلك الفج الذي كان عليه فقال بعض الشعراء مخاطبا لعمر إن كان إبليس أغوى الناس كلهم فأنت يا عمر أغويت إبليسا ولعمري أن حال هذا الناصب الأحمق المهذار فيما أتى به الالزام إلا غبار يشبه بحال الحمار الذي قيل في حقه بعض الأشعار ذهب الحمار ليستفيد لنفسه قرنا فآب وما له أذنان ولو حمل هذا الحديث على معنى رواه ابن حجر في صواعقه من أن الشيطان ليفر منك يا عمر وما رواه من أن الشيطان لم يلق عمر إلا خر بوجهه فنقول بعد تسليم إن الحديث المحمول إليه ليس موضوعا يا ويلكم إن الشيطان لم يهب آدم وهو في الجنة محفوف بالملائكة حتى دخل إليه وأخرجه منها ولم يهب أسباط يعقوب حيث ألقى بينهم العداوة والبغضاء ولم يهب موسى بن عمران حيث قتل الرجل قال إن هذا من عمل الشيطان وقال الله تعالى وما أرسلنا قبلك من رسول إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته وروى عن رسول الله (ص) أنه قال إن الشيطان ليغر في قلبي كل يوم سبعين مرة حتى استغفر الله تعالى فالشيطان لم يهب ولم يفر عن رسول الله (ص) ولا عن الرسل قبله وأنتم جعلتموه يهاب عن عمر ويفر منه ويسلك طريقا غير طريقه أما قال الله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان وكان عمر من القوم المنهزمين فكيف يستزله وهو يهابه ولقد تحيرتم حتى لا تدرون كيف تكذبون وقد ورد في كلامكم أشياء ترد في وجوهكم وأنتم كالحون وأما ما ذكره الناصب من أن عمر كان راسخا في العلم فالظاهر أنه مبني على ما ذكره سابقا من أنه لا يعتبر في الملكة الراسخة في شئ من الأخلاق وصدور ما ينافي ذلك فجاز أن يصدر عن صاحب ملكة العصمة ذنوب لا يحصى ومن صاحب ملكة الشجاعة فرار لا يتناهى ومن صاحب ملكة العلم جهالات لا تستقصى ولا فقد كان الرجل في الجهل ثاني أبيه وراسخا فيه كما لا يخفى على البينة وأما ما رواه عن صحاحهم السقام من حديث قميص عمر وتأويل ذلك بالدين ففيه أن الظاهر من جر القميص جر ذيله على الأرض فهو أولى بأن يأول بأنه يجر الدين تحت رجليه وحاشا عن النبي (ص) أن يأول جدر الذيل الذي يدل على البطر والتبختر ويستلزم تلوثه بإلقاء ذورات بالدين وأي مناسبة لذلك بالدين وما قوله وحضر معه جميع غزواته فغير مسلم كما يدل عليه كلام روضة الأحباب وقوله كان صاحب المشاورة تكرار مكرر لا طايل تحته وقد مر ما فيه مكررا وما ذكره من أن النبي (ص) كان يعمل برأيه مدفوع بما مر من مخلفته في أسارى بدر وما ذكره من أن القرآن كان ينزل على تصديقه غير مسلم وأما ما رواه عن الصحاح عن النبي (ص) أنه قال لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون إلى آخره لو سلم صحته فالظاهر أن المحدث المذكور فيه بتخفيف
صفحہ 233