الكلام فهو من باب التواضع وتأليف قلوب المتابعين وحق الإمام أن لا يفضل نفسه على الرعية ولا يتكبر عليهم وقد قيل أنه قال هذا بعد ما شكى بعض أصحاب رسول الله (ص) استيشاره للخلافة من غير انتظار لحضورهم فقال أقيلوني فإني لا أريد الخلافة وليس هي عندي شئ لا أقدر على طرحها وهذا من باب الاستظهار بترك الإقالة والحكومة كما روي أن أمير المؤمنين (ع) كان يقول لا يسوى الخلافة عندي فعلا مخصوفا ومن حمل أمثال هذا الكلام على خلاف ما ذكرناه وجعلها من المطاعن فهو جاهل بعرف الكلام انتهى وأقول يرد عليه أولا إن الرواية صحيحة رواها أبو عبد القاسم بن سلام مصنف كتاب الأموال عن هشام بن عروة عن أبيه وهي مذكورة في التجريد مسلمة عند شارحيه من أهل السنة وفيما نقله الناصب ههنا في وجه قول أبي بكر لذلك دلالة على ثبوتها عند بعض أصحابه وفيما سيأتي به في ذيل شرح قول المصنف ومنها أنه طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين (ع) إلى آخره من نسبته رواية هذا القول إلى أصحاب الصحاح قد جزم بصحته وثبوته عند الثقات فما أتى به من التشكيك بقوله إن صح غير صحيح ومن خواص هذا التعليق ما سنح لي ههنا من أن قول أبي بكر هذا دليل على عدم جواز تفضيل المفضول زعما لا يف أوليائه المجوزين له وثانيا إن المتواضع وهضم النفس في أمر الدين والخلافة غير معقول كيف ولا يبقى حينئذ وثوق بكلامه لعدم العلم بقصده وأيضا القول المذكور كما أشار إليه الناصب إنما وقع من أبي بكر عند تعريض الناس عليه بأنه لا يليق بالإمامة مع وجود علي (ع) فلو كان غرضه التواضع وهضم النفس لما خص الخبر؟؟؟
بعلي (ع) بل قال أقيلوني فإن كل واحد منكم خير مني كما قال عمر كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت وإن كان هذا منه أيضا اعتراف بالواقع فتنبه و ثالثا إن قوله وقد قيل هذا بعد ما شكى إلى آخره مجرد تمويه وتلبيس أبى به لترويج باطله لظهور أنه لا ربط بين إظهار عدم التعلق بالرياسة والخلافة على الاطلاق وبين طلب الإقالة والفسخ معللا بأن غيره أخير وأفضل منه وما نقل عن علي (ع) لو صح فهو من قبيل الأول فالاستشهاد به لا يصلح إلا لمغلطة الصبيان أو إخوان الناصب من أهل العميان ثم من جملة ما فعله من التمويه والتلبيس تفسيره قول أبي بكر فإني لست بخيركم وعلي فيكم بقوله فإني لا أريد الخلافة ليس هي عندي شئ لا أقدر على طرحها فإن هذا كلام مباين لما قال أبو بكر وإنما هذا كلام آخر صدر عن عمر عند ملاقاة أويس القرني (رض) وملاحظة تجرده ورفع تعلقاته فأراد أن يتشبه به في المقال فقال لأويس (رض) من الذي يشتري مني الخلافة بخبز واحد فقال أويس له لا يفعل ذلك عاقل ولا تبعها اطرحها حتى يأخذها من يريدها هذا حاصل ما ذكره الشيخ العارف فريد الدين العطار قدس سره في كتاب تذكرة الأولياء ولا يخفى أن كلام أويس (رض) صريح في طعن عمر وأنه في ارتكاب الخلافة واعتقاد جريان البيع والشري فيها قد خالف العقل والنقل لأن العقل يحكم بأن نصب الإمام يكون من الله وشرائه من أبي بكر وبيعه من عثمان مخالف للعقل والنقل وفيه تصريح أيضا بأنه لا يجئ منه ترك الخلافة وإن قلبه في تلك الدعوى لا يوافق لسانه وإلا فالخلاص منها لا يتوقف على بيعها وأيضا لو كان صاقا في إرادة بيعها لاشتراها كل من طلحة وزبير ومعاوية بجوامع الجنان والأركان فضلا عن خبز يهان لكن لما علموا أن عمر ليس في بيع الخلافة راسخا كما أن أبا بكر لم يكن في إقالتها سابقا صادقا وإن صدور ذلك منهما كان خدعة ورئ للناس لا جرم لم يسارعوا إلى اشترائها من عمر فليضحك قليلا وليبك كثيرا قال المصنف رفع الله درجته ومنها قوله عند موته ليتني كنت سألت رسول الله (ص) هل للأنصار في هذا الأمر حق وهذا شك في صحة ما كان عليه وبطلانه وهو الذي دفع الأنصار لما قالوا منا أمير ومنكم أمير بقوله الأئمة من قريش فإن كان الذي رواه حقا كيف حصل له الشك وإلا فقد دفع بالباطل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن صح هذا فهو من باب الاحتياط وزيادة الايقان وإنه لما دفع الأنصار عن الخلافة كان تقواه تدعوا إلى طلب النص فأما حديث الأئمة من قريش فلم يروه أبو بكر بل رواه غيره من الصحابة وكان هو لا يعتمد على خبر الواحد وكان تمنى أن يسمع هو بنفسه عن رسول الله (ص) عدم حقية الأنصار في الخلافة وهذا من غاية تقواه وحرصه على تحصيل زيادة العلم والإيقان انتهى وأقول قول أبي بكر في ذلك التمني صريح في شكه ولا يعهد طلب زيادة الاطمينان بمثل تلك العبارة كما لا يخفى وما ذكره من أن أبا بكر لا يعتمد على الخبر الواحد مخالف لأصول أهل السنة فإنهم يعتمدون على الخبر الواحد ولا يزال يتهمون الشيعة بتفردهم في مخالفة ذلك وبالجملة قول أبي بكر صريح في قيام أحمال بطلان خلافته عنده مع أن استحقاقه للخلافة يتوقف على الجزم بذلك الاستحقاق فيكون تقمصا للخلافة تصدرا من غير استحقاق وترؤسا لسوء الاتفاق ثم أقول إن الأنصار لم يدعو الخلافة بل التمسوا إمارة واحد من قومهم على قومهم فقط كما يدل عليه قولهم منا أمير ومنكم أمير فلم يكن هناك وجه للشك في أنه هل كان للأنصار حق في أمر الخلافة والإمامة أولا حتى تدعوه تقواه إلى طلب النص عليه والسؤال عنه ولعل إظهاره الشك في حق الأنصار إنما كان ليوقع في الأوهام إنا كان جازما في عدم تعلق حق أهل البيت (ع) بذلك لئلا ينازعوا بعده في خلافة عمر وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون قال المصنف رفع الله درجته ومها قوله في مرضه ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه وليتني في ظلة بني ساعدة كنت ضربت يدي على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن صح هذا فهو من باب التبري عن الإيالة والخلافة كما هو دأب العارفين بالله ويكون تحذيرا لمن يأتي بعده ليعلموا أن أمر الخلافة صعب ولا يطمع فيه كل مهوس وهذا من باب الشفقة على الأمة سيما الخلفاء وأرباب الرايات ولا يتصور فيه طعن وأما ما ذكر من أمر كشف بيت فاطمة فلم يصح بهذا رواية قطعا انتهى وأقول تخصيص أبي بكر لضرب اليد على يد أحد الرجلين يدل على أنه اعتقد أن المستحق للخلافة كان أحد الرجلين دونه ثانيا لكونه وزير لأحدهما يدل على أنه لم يخرج عن قلبه حب الرياسة ولم يعد أمر الخلافة صعبا ولم يكن غرضه ما ذكره الناصب من تقليده لدأب العارفين في تمنيه من يأتي بعدهم لظهور أن الوزارة أصعب من الإمارة لأن وزر الأمير على الوزير أيضا كما لا يخفى وأما قصة كشف البيت فقد كشف العلماء نقاب الخفاء عنها واعترف بها ابن قتيبة من أهل السنة في كتاب السياسة وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج وغيرهما في غيرهما فالإنكار بارد والمنكر رجس مارد قال المصنف رفع الله درجته ومها أن النبي (ص) لم يوله شيئا من الأعمال وولى غيره
صفحہ 221