Ihkam al-Ahkam Sharh Umdah al-Ahkam
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
ناشر
مطبعة السنة المحمدية
اصناف
علوم حدیث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَأَمَّا قَوْلُهَا " وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا " يَدُلُّ عَلَى الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ، وَعَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. فَأَمَّا الرَّفْعُ: فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُ السُّجُودِ إلَّا بِهِ، بِخِلَافِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. فَإِنَّ الرُّكُوعَ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ. وَسَهَا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَذَكَرَ مَا ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِ. فَلَمَّا ذُكِرَ السُّجُودُ قَالَ: الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ وَالِاعْتِدَالُ فِيهِ وَالطُّمَأْنِينَةُ كَالرُّكُوعِ. فَاقْتَضَى ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ جَارٍ فِي الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ. وَهَذَا سَهْوٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ خِلَافٌ فِي الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ، إذْ السُّجُودُ، مُتَعَدِّدٌ شَرْعًا. وَلَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُهُ إلَّا بِالرَّفْعِ الْفَاصِلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
وَقَوْلُهَا " وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ " أَطْلَقَتْ لَفْظَ " التَّحِيَّةِ " عَلَى التَّشَهُّدِ كُلِّهِ، مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا فَارَقَ فِيهِ الِاسْمُ الْمُسَمَّى. فَإِنَّ " التَّحِيَّةَ " الْمُلْكُ، أَوْ الْبَقَاءُ، أَوْ غَيْرُهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ. وَإِنَّمَا يُقَالُ اسْمُهُ الدَّالُّ عَلَيْهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِنَا: أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْتُ الْمَاءَ. فَإِنَّ الِاسْمَ هُنَاكَ أُرِيدَ بِهِ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا لَفْظَةُ الِاسْمِ: فَقَدْ قِيلَ فِيهَا: إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى. وَفِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ.
وَقَوْلُهَا " وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى " يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اخْتِيَارِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ لِلْجُلُوسِ لِلرَّجُلِ. وَمَالِكٌ اخْتَارَ التَّوَرُّكَ وَهُوَ أَنْ يُفْضِيَ بِوَرِكِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى. وَالشَّافِعِيُّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. فَفِي الْأَوَّلِ اخْتَارَ الِافْتِرَاشَ عَلَى التَّوَرُّكِ. وَفِي الثَّانِي اخْتَارَ التَّوَرُّكَ. وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا هَيْئَةُ التَّوَرُّكِ. فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَحَمَلَ الِافْتِرَاشَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَحَمَلَ التَّوَرُّكَ عَلَى الثَّانِي. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. وَرُجِّحَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَمْرَيْنِ لَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْهَيْئَةِ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّذَكُّرِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الِافْتِرَاشَ هَيْئَةُ اسْتِيفَازٍ. فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ لِلْقِيَامِ. وَالتَّوَرُّكُ هَيْئَةُ اطْمِئْنَانٍ. فَنَاسَبَ الْأَخِيرَ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى النَّقْلِ أَوْلَى.
وَقَوْلُهَا " وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ " وَيُرْوَى " عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ "
1 / 235