وشرف النفس المبلغ الذي تيقن أن سؤاله إياه كما توهمه67 العوام [200] ممتنع، لكنه توهم أن عقله يدرك من خالقه أنية ثابتة مستغنية عن النفى. فلما تجلى من إثبات خالقه ما توهمه لنفسه لم يجدها إلا مدركة بالنفى. وخر موسى صعقا لما توهم لخالقه أنية ثابتة مستغنية عن النفى. فلما أفاق، يعنى فلما أيقن وصح عنده أن إثبات الله تعالى ذكره لا يفارق النفى طرفة عين سبح الله ونزهه، وتاب إليه عما توهم فيه واعترف بأنه أول من آمن بوحدانيته، وبأنه لا يشبه شيئا من المخلوقين فى لفظ وضمير.
والجبل فى هذا الموضع العلم المنصوب من العقل لتدرك به فوائده، وهو النفس التى تستفيد منه فوائده وتفيد من دونها. ومثله قوله: لو أنزلنا هذا آلقرعان على جبل لرأيته خشعا متصدعا من خشية آلله وتلك الأمثل نضربها 201 للناس لعلهم يتفكرون. 68 فالجبل الصلد الميت الذي لا شعور69 له، ولا عقل، ولا فهم، ولا تمييز، كيف يخشع ويتضرع من خشية الله ? وكيف يعقل نزول القرآن عليه? وهل فى حكمة الخالق الجبار أن يضع الشىء في غير موضعه? فاحتاجت هذه الآية إلى تأويل يوضح لنا طريق معرفة ذلك. فأقول: إن الجبل الذي يخشع ويتضرع من خشية الله [هو] الرجل العالم المؤمن البر التقى، والدليل عليه قول الله تعالى ذكره: ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر آللهل وقوله: إنما يحشى آلله من عباده العلمؤا.2 ونزول
صفحہ 226