ورأيت عندئذ منظرا لن أنساه؛ فإن الشاة والكلبة اندفعتا في الفضاء، وكانت الشاة تسير وخلفها الكلبة وكأنهما تسبحان، وكان الفضاء خواء، فأقفلت الباب الزجاجي وبقيت أرقبهما وأنا في فتنة بهذا المنظر، وجعلت أتأملهما وأفكر أن هاتين المسكينتين ستجوبان الفضاء وهما على هذه الحال مليون سنة، ألف مليون سنة، وليس هناك ما يعوقهما، ولن تتعفنا، ولن يحيق بهما بلى أو فناء؛ إذ لا يمكن أن يحيا الميكروب فيهما؛ لأنه يحتاج إلى الهواء، كما لا يمكن التفاعل العضوي الداخلي أن يفكك أجزاءهما.
وقد مضى على هذا الحادث أكثر من سنتين، وما زلت أحس عندما أذكر أن الشاة والكلبة تسبحان في الفضاء الأبدي، كما لو كانت سكين تقطع رأسي، أو أحيانا أستيقظ من النوم فزعا من الرؤيا، وأحيانا أجدني أقول لنفسي:
وماذا علينا إن كنا أبقيناهما ثم دفناهما في أرض القمر كما هو حق الموتى؟ إنهما في الفضاء الآن وسيكونان في الفضاء بعد ألف مليون سنة، إلى الأبد، إلى الأبد، يدوران مع الكواكب ويسيران مع المجرات. •••
وقبل أن نصل إلى القمر بنحو ساعتين جهزنا الآلات التي نحتاج إليها للخروج من الأنبوبة وللهبوط بها سالمين على أرض القمر، وكان كل منا في شكة تشبه شكة الغطاسين، وكان داخل الشكة مخزن صغير للأكسيجين وبعض الغازات الأخرى.
وأمضينا الساعات الأخيرة قبل وصولنا إلى القمر ونحن نتأمله، وكان صحاري قاحلة، وهوات تشبه فوهات البراكين، وحولها جبال عمودية كأنها أسوار مبنية.
وصادف هبوطنا النهار، فلم نخرج؛ لأن الشمس كانت تضرب أرض القمر وترفع الحرارة فيه إلى درجة غليان الماء على الأرض، وانتظرنا إلى قرابة الغروب، فخرجنا وجولنا فيه قليلا، ثم عدنا عندما أمسينا؛ لأن درجة الحرارة نزلت إلى الصفر، بل تحت الصفر بكثير.
وكنا - بالطبع - نعرف كل هذا، وكنا ننتظره قبل الوصول إلى القمر؛ ولذلك أعددنا مساكن من الزجاج الطري، وكانت الجدران طبقات لا تنفذ منها حرارة الشمس في النهار، كما لا تتسرب حرارة المسكن إلى الخارج في الليل.
وكنا قرابة أربع مئة من الرجال والنساء، وشرعنا منذ وصولنا في رصد الأجواء القمرية، وفي البحث عن الماء، وغازات الأكسيجين والأيدروجين، والنباتات والحيوانات.
وقد خابت آمالنا، أو بالأحرى لم نجد ما كنا نحلم به، ولكن لم يكن فينا واحد من الأربعمائة غير متخصص في عمل كيميائي أو بيولوجي أو معدني أو صناعي؛ ولذلك شرعنا نستخلص الغازات الحيوية من صخور القمر، ونبني بيوتا للنبات والحيوان ونصنع الماء، واستطعنا أن نجد - قبل أن يمر علينا عام - فجوات وتخاريب في الأسوار والجبال لا تحرقها الشمس، بل وجدنا فيها عددا غير صغير من النباتات والحيوانات البدائية، فصرنا نأكل منها ونستنتجها بأساليبنا الأرضية العلمية.
وشيدنا بيوتا كبيرة للسكنى، تعددت جدرانها وسقوفها، ووضعنا فيها هواء يتفق وحاجاتنا في التنفس، فلم تكن حرارة النهار أو برودة الليل تؤثر فيها.
نامعلوم صفحہ