وقلت في نفسي إني أستطيع أن أجرب هذه التجربة في أحد أصدقائي، وهو السيد مصطفى ، وكان ينام بسهولة على يدي؛ فما هو أن ينطرح ويسترخي، وأمدد يدي على وجهه وصدره إلى ساقيه، حتى يكون قد غاب، وعندئذ أوحي إليه ما أريد، فيؤديه كما لو كان شخصا آخر.
ولكني كنت أتردد في القيام بهذه التجربة؛ وذلك لاعتقادي بأن الشخص النائم لا يخضع كل الخضوع؛ إذ أحيانا يقاوم فلا ينام، وأحيانا عندما أوقظه يرفض أن يستيقظ، وقلت: ماذا يكون لو أني نومته ودعوته إلى وقف نبضه وحبس أنفاسه، كما يفعل «الفقير» في الهند، ثم رفض هو أن يعود إلى الحياة؟ ألا يمكن أن يكون الموت لذيذا إلى حد أن يجد فيه الراحة الكبرى فيؤثره على يقظة الحياة؟
وترددت شهورا لهذا السبب في تنويمه، ولكن الفكرة كانت تغريني وتتسلط علي.
وذات مساء زارني السيد مصطفى، وقعدنا نتحدث ونشرب بعض المرطبات، وأوغل هو في المزاح حتى غاظني، فقلت أنا على سبيل المزاح: والله يا مجرم لأقتلنك غدا، ثم نهضت، وحدقت في عينيه، وقلت له: أنت في نعاس تتثاءب، قد اقتربت من النوم، رأسك يستند إلى الوراء، أنت على وشك النوم، أنت تنام.
ثم جعلت أمسح وجهه وجسمه بيدي الاثنتين، وقلت: أنت نائم، تسمعني فقط، اسمع، غدا وأنت في فراشك، في الساعة الثالثة بعد الظهر، سيأخذ نبضك في الانخفاض من 70 إلى 50 إلى 30، إلى أن يبلغ الصفر، ويقف قلبك، وتنقطع أنفاسك كأنك ميت، ستكون ميتا تماما؛ لا نفس ولا نبض، وسآتي إليك في الساعة الرابعة فأوقظك.
وجعلت أكرر هذا الإيحاء، ثم أيقظته وهو لا يدري بما حدث، وتركني، وآويت إلى فراشي وأنا مطمئن ضاحك؛ سوف أراه غدا ميتا وسوف أوقظه.
واستيقظت في الصباح وقد نسيت كل شيء، بل بقيت طيلة النهار وأنا مشغول بمهام أخرى أنستني السيد مصطفى، وفي الساعة الرابعة أو بعدها بقليل، جاءني خادم السيد مصطفى وأخبرني وهو يبكي بأن سيده مات، وتلقيت الخبر أنا بالضحك الذي أذهل الخادم، وقد ضحكت لأني كنت أعرف السر، وكنت على يقين بأن كلمتين مني تعيدانه إلى الحياة.
ولبست ملابسي وقصدت إلى منزل السيد مصطفى ومعي الخادم، ودخلت غرفته فوجدت أخته تبكي، ومعها الطبيب الذي أحضروه، وكان قد أخرج ورقة يكتب عليها شهادة الوفاة.
وقصدت من فوري إلى السيد مصطفى وهو منبطح على سريره شاحب جامد، فجعلت أمسح وجهه وجسمه، وأناديه، وأقول له: هذا ميعاد استيقاظك، انهض، استيقظ.
وجعل الطبيب ينظر إلي في سخرية ويقول: إنه مريض بالقلب منذ سنتين وأنا أعالجه، وكانت تجيئه مثل هذه النوبات، وكان منتظرا أن يموت في إحداها.
نامعلوم صفحہ