كانت أياما هنيئة، تذكرها أم مصطفى بتفاصيلها الصغيرة، وكانت تذكر كيف أن القط جلجل خطف من راجي مزعة من اللحم.
وقد مضى كل ذلك، فمات مصطفى ابنها، وماتت زوجته فاطمة، بل حتى الطفل راجي قد مات، وهي الآن تعيش مع جلجل؛ كلاهما قد لزم هذه الغرفة، وكأنه يعرف أنه لن يبرحها إلا إلى القبر، من القبر وإلى القبر.
وكان القط بعد أن يأكل طعامه الذي مضغته له، وبعد أن يشرب، يرفع ظهره كأنه سنام، وينتفخ، ويتمسح بها، ويموء في لذة الشبع.
وكانت هي تضمه وتتحسس فروته وتقول: - إنت نسيت يا جلجل؟ كان راجي دائما يقول قبل النوم: هاتولي جج، جج ينام معي، أنام مع جج، كان يسميك جج.
ويموء القط حولها كأنه فهم ما قالته، وينام في حجرها، فتقول هي: - أنا مت ثلاث مرات يا جلجل، ثلاث مرات؛ المرة الأولى لما مات ابني مصطفى ...
وهنا تنفجر بالبكاء، ويتخضخض جسمها كله حتى يقع القط من حجرها، ويتراجع، وينظر إليها كأنه يستفهم: ماذا حدث؟
وترفع العجوز رأسها إلى سقف الغرفة وهي تقول: حرام، يا ربي حرام، أنا كان عندي غير مصطفى؟ حبلت به بعد سن الأربعين، وربيته، يا رب أخذته مني، أخذته مني ليه؟
ويعود القط إلى حجرها، وتنظر إليه وهي تقول في هدوء: - إنت فاكر مصطفى ابني يا جلجل؟ مصطفى أبو راجي، إنت فاكره؟ مصطفى حملك وأنت صغير، وجاء بك هنا من الشارع، وفرح بك راجي، ومصطفى كان يشتري لك كل يوم لبن بمليمين حتى كبرت.
ثم تقص على جلجل كيف أن مصطفى ابنها كان رجلا شهما لا يعرف الغش أو السرقة، وكان يعيش بعرق جبينه، وخرج ذات يوم كي يشتري البن والسكر للمقهى، ولكن سيارة داسته وهو عائد، ثم تقول: - إنت فاكر يا جلجل؟ لا، إنت فاكر، تقدر تنسى؟ لما أدخلوه هنا وهو محمول والدم على رجله؟ أنا وقعت على الأرض، وسمعت مصطفى وهو يقول: رشوا الماء على وجه أمي، سمعته يا جلجل، أنا يومها، أقول لك بالحق، أنا مت أول موته، وبعدها أخذوه للمستشفى وقطعوا رجله.
ويتمطى القط جلجل ويتثاءب.
نامعلوم صفحہ