ما أقسى هذه الدنيا! •••
ثم كان يوم ما زلت أذكره؛ لأنه من التاريخ؛ تاريخ العجايب؛ ذلك أنه بعد وفاة بهجة بخمسين يوما فقط كانت العروس الجديدة تؤانس فريد في منزله.
تزوج فريد بعد أقل من شهرين من وفاة زوجته التي كان كلفا بها إلى حد يضحك الناس.
وأحسسنا نحن، أصدقاؤه وجيرانه، أننا نحتاج إلى الإيضاحات والمشاورات، فكنا نجتمع هنا وهناك، عند واحد منا، ونتحدث ونعلل ونفلسف.
وقال واحد منا: إنه لم يكن يحبها، إنما كان يحب حبه لها.
وقال ثان: إننا حين نحب امرأة إنما نخترع لها صورة في أذهاننا نتعلق بها، وهذه الصورة بعيدة من المرأة التي نحبها، ونحن قادرون على أن نخترع مثل هذه الصورة لامرأة أخرى، وهذا هو ما فعله فريد الذي سيكلف بزوجته الثانية كما كان يكلف بزوجته الأولى.
وقال ثالث: لا، اسمعوا، كان فريد يحب زوجته ويكلف بها، وقد تعود منها عادات صغيرة تتكامل وتتجمع فتحدث له ما نسميه السعادة، فكان سعيدا طيلة زواجه، فلما ماتت شقي؛ لأنه حرم من هذه السعادة، فلم يطق البقاء بلا زواج.
وقال رابع: هذا كلام صادق؛ إن فريد لم يكن يحب بهجة بمقدار ما كان يحب الحال الزوجية التي كان يحياها معها، وكانت حالا هنيئة، فلما ماتت سارع إلى الزواج كي يستعيد هذه الحال.
وقلت أنا: أظنكم على حق هنا؛ فإن الناس يتوهمون أن الزوج إذا أتعسته زوجته وشقي بحياته الزوجية معها فإنه يتمنى موتها ويسارع إلى الزواج من غيرها، ولكن هذا خطأ؛ لأن الأغلب أنه لن يتزوج سائر عمره؛ إذ هو يذكر الحياة الزوجية السابقة وينفر من أن يعود إلى مثلها، أما إذا كانت زوجته قد أسعدته بالزواج فإنه يسارع عقب وفاتها إلى الزواج من غيرها؛ لأن تجربته الماضية للزواج كانت حسنة، فهو يقدم على التجربة الثانية منجذبا وكله أمل في السعادة والهناء.
الفصل الخامس
نامعلوم صفحہ