أما عاطف فقد تغير؛ فإنه لم يترك بيته، بل غرفته، هذه الشهور الثلاثة الأخيرة؛ فقد زهد الدنيا، والنجاح، والحب، وهو لا يزال يجتر جريمته: موت فتاة شابة، وشلل الأم.
واعتقادي أنه سوف يعيش وهو يحمل على عاتقيه هذين الوزرين الثقيلين، ولا بد أيضا أنه سيقلع عن أسلوبه القديم.
ولكن ما منفعة ذلك الآن؟ هل يصلح إنسان بموت إنسان آخر؟!
الفصل الثالث
أحسن أم
الإنسان الذي لا يعتقد أن أمه أعظم امرأة في العالم لا يعد إنسانا حسنا؛ إن كل أم امرأة عظيمة عند أبنائها.
كان الدكتور شوقي يقول لي إن أمه أحسن أم في الدنيا، وكنت أقول له إنه يقول ذلك لأنها ماتت، ونحن نكبر في العادة من فضائل الموتى، وننسى تقصيراتهم أو نقائصهم، ولو كانت أمه حية لكان في الاحتكاكات السيكولوجية اليومية ما يجعل أمه مثل سائر الأمهات؛ لا تزيد ولا تنقص.
وكان صديقي شابا في السادسة والعشرين، قد تخرج في كلية الطب قبل ثلاث سنوات، وتزوج في السنة الماضية، وبعد زواجه بنحو ستة شهور ماتت أمه، فأصبحت كأنها من القديسات؛ لها معبد في قلبه يذكرها ويصلي لها.
وكان لا يفتأ يذكرها حتى كنت أسأم ثرثرته عنها، وأخيرا قلت له كي يكف عن ثرثرته: «عرفت كل شيء عن أمك؛ فقد كانت أحسن أم في الدنيا؛ لأنها كانت تجيد طبخ الرز والملوخية، وكانت تصلح الأزرار المقطوعة، وكانت تحسن غسل ملابسك وترقع جواربك، و ...».
ولكنه قاطعني قائلا: «أنت لا تعرف أمي، فقد كانت تفعل كل هذا الذي تقول، ولكنها كانت تفعل أكثر من ذلك، وأنا لا أحبها وأذكرها لأنها كانت أمي، بل لأنها كانت الأمومة، أتفهم هذه الكلمة؟ كانت الأمومة»!
نامعلوم صفحہ