وتبقى البواقي فراخًا لها ولا تزال على هذا أبد الدهر، ولذلك قال أشعب لابنه فيما يَروي عنه الأصمعي: يا بنيّ لِمَ لا تكون مثلي؟ فقال أنا مثل الموز لا تصلح حتى تموت أمها، ومن نبات الموز إلى أثمارها شهران وبين أطلاعها إلى أجرائها أربعون يوما، والموز موجودٌ في أوطانه السنة كلّها ويكون في القنو من أقنائها ما بين ثلاثين موزة إلى خمسمائة موزة، ورأيت عند بعض تجار الهند حصرًا حسنة لطيفة موشاة ذات وجهين ألوانها أحسن الألوان وأصباغها زهر خالصة كأنها ألوان الحرير، عرض الحصير منها نحو ذراعين ونصف وهو أسلة واحدة ليس فيه وصل فجعلت أعجب من طول الأسل الذي يسمى بمصر السمار، فذكر لي أنه ليس به وإنما هو متَّخذٌ من ورق الموز الهندي بأن يؤخذ العسيب فيشقق ويجفف ثم يصبغ وينسج منه هذه الحصير، ويباع الحصير منها في المعبر بدينارين وفيها ما يباع بدرهمين وأراني من كلا الصنفين.
وأما المحمضات فيوجد بأرض مصر منها أصناف كثيرة لم أرها بالعراق، من ذلك أترُجٌ كبار يعزُّ وجودُ مثله ببغداد، ومن ذلك أترج حلوٌ ليس فيه حماض، ومن ذلك الليمون المركب وهو أصناف أيضا، ويوجد فيه ما هو بقدر البطيخة ومن ذلك الليمون المختم وهو أحمر شديد الحمرة أقنى حمرةً من النارنج شديد الاستدارة مفلطح من رأسه وأسفله مفضوخ فيها بختمين.
ومن ذلك ليمون البلسم وهو في قدر الإبهام وكالبيضة المطلولة، وفيه ما هو مخروطٌ صحيح يبتدئ من قاعدة وينتهي إلى نقطة، وأما لونه وريحه وشحمه
وحماضه فلا يغادر من الأترُج شيئا.
وقد يوجد أترج في جوفه أترُجٌ بقشر أصفر أيضا، وخبّرني صادقٌ أنه وجد في جوف أترجة سبع أترجاتٍ صغار كلّ واحدةٍ يحيطُ بها قشر تام والذي رأيته أنا أترجة في جوفها أترجة ليست تامة، وقد رأيتُ منه شيئا بالغور وهذا الأترج المداخل إنما يكون في ذي الحماض، ثمّ أنّ هذه الأنواع يركب بعضها على بعض فيتولد منها أصناف كثيرة جدا.
ومن ذلك صنفٌ من التفاح يوجد بالإسكندرية ببستان واحدٍ يسمّى بستان القطعة وهو صغار جدًا قاني الحمرة، وأما رائحته فتفوق الوصف وتعلو على المِسك وهو قليل جدا.
وأما القُرط فيسمّى بالعراق الرطبة وبالشام الفضة وبالفارسية أسفست.
1 / 14