إلى اليسار نحو عشر أذرع، ومن جهة الخلف إلى الأمام على تلك النسبة، وهو حجرٌ واحدٌ من الصِّوان الأحمر وعليه من الدهان الأحمر كأنَّه لم يَزدهُ تقادمُ الأيام إلّا جِدّة.
-
والعجب كلّ العجب كيف حفظ فيه مع عظم النظام الطبيعي والتناسب الحقيقي،
وأنت تعلم أن كلّ واحدٍ من الأعضاء الآلية والمتشابهة له في نفسه مقدار ما وله إلى سائر الأعضاء نسبة ما بذلك المقدار، وبتلك النسبة تحصل حسن الهيئة وملاحة الصورة، فإن اختلَّ شيءٌ من ذلك حدث من القبح بمقدارِ الخلل، وقد أُحكم في هذه الأصنام هذا النظام إحكاما أيّ إحكام، فمن ذلك مقادير الأعضاء في نفسها ثم نِسَب بعضها إلى بعض، فأنَّك ترى الصنم قد يبتدىء بانفصال صدره عن عنقه عند الترقوة بتناسبٍ بليغ ثم يأخذ الصدر في ارتفاع الترائب إلى الثندوتين، فيرتفعان عما دونهما ويبرزان من سائر الصدر بنسبة عجيبة، ثم يعلوان إلى حدٍّ الحلمة، ثم تصوّر الحلمة مناسبة لتلك الصورة الهائلة، ثم تنحدر إلى الموضع المطمئن عند القصّ وفرجة الزور وزور القلب وإلى تجعيد الأضلاع والتوائها، كما هو موجودٌ في الحيوان الحقيقي، ثم تنحدر إلى مقاط الأضلاع ومراق البطن والتواء العصب وعضل البطن يمينا وشمالا، وتوتّرها وارتفاعها وانخفاض ما دون السرّة مِمّا يلي الأقراب، ثم تحقيق السرّة وتوتّر العضل حولها، ثم الانحدار إلى الثنة والحالبين وعروق الحلب والخروج منه إلى عظمي الوركين، وكذلك تجد انفصال الكتف واتِّصالها بالعضد ثم بالساعد وانفتال حبل الذراع والكوع والكرسوع وإبرة المرفق ونهري مفصل الساعد من العضد وعضل الساعد ورطوبة اللحم وتوتر العصب وغير ذلك مما يطول شرحه، وقد صور كف بعضها قابضا على عمودٍ قطره شبر كأنه كتاب، وصُوِّرَت الغضون والأسارير التي تحدث في جلدة الكف مما يلي الخنصر عند ما يقبض الإنسان كفّه، وأمّا حسن أوجهها وتناسبها فعلى أكمل ما في القوى البشرية أن تفعله، وأتم ما في الموادِّ الحجرية أن تقبله ولم يبق إلّا صورةُ اللحم والدّم، وكذلك صورة الأذن وحتارها وتعاريجها على غاية التمثيل والتخييل.
ورأيتُ أسدين متقابلين بينهما أمدٌ قريب وصورهما هائلةٌ جدًا، وقد حفظ فيهما
النظام الطبيعي والتناسب الحيواني، مع كونهما أعظم جثّةً من الحيوان الحقيقي جدًا جدًا وقد تكسّرا ورُدما بالتراب.
1 / 31